العمران وإشكالية المجالات الخضراء بالمدن المغربية
مدينة المحمدية نموذجا.
أ.د.
أحمد آيت موسى
جامعة
الحسن الثاني
كلية الآداب والعلوم الإنسانية المحمدية
الملخص:
كانت المدن المغربية
عموما وإلى عهد قريب تتوفر على مساحات خضراء لا بأس بها والمتمثلة في الحدائق
وغيرها. وفي العقود الأخيرة شهد المغرب تحولات
ديمغرافية ومجالية كان لها وقع كبير وتأثير واضح في تراجع المساحات الخضراء داخل
المدن لصالح الاسمنت المسلح الذي بدأ يغزو مدننا بشكل يثير الاندهاش.
ولا تخفى على أحد أهمية المجالات الخضراء
ليس فقط في التخفيف من حدة التلوث وإنما أيضا في الترويح عن نفسية المتمدنين، وفي
خلق إطار وفضاء أجمل للعيش لا يقطع سبب تواصل الإنسان مع الطبيعة. ولا يقتصر دورها
فيما ذكر، وإنما لها أيضا انعكاسات اقتصادية تساهم في إشعاع المدن وتحسين صورتها.
ومن وظائفها أيضا كونها تلعب دور "
الرئة الخضراء" بامتصاصها لبعض أنواع مكونات التلوث وإنتاجها الأوكسجين
بالمقابل.
وفي الوقت الذي تعرف فيه المدن المغربية
تزايدا ديمغرافيا كبيرا وتوسعا مجاليا مهما أصبحت المجالات الخضراء تشهد تراجعا
خطيرا بفعل المضاربة العقارية وارتفاع أثمان العقار بشكل لا قبل للمدن المغربية به
في السابق، الشيء الذي أدى إلى ندرة حقيقية ومفتعلة للأراضي الحضرية. وقد ازداد
وضع المجالات الخضراء سوءا عندما سن المشرع في العقد الأخير قانون الاستثناءات التي
همشت القانون المنظم للمجالات الخضراء وأصبحت تعوض بشكل ممنهج مما أدى إلى اختراق
وضرب الوثائق العمرانية الشيئ الذي أفقد القانون قوته تحت ذريعة تشجيع الاستثمارات
مما يتسبب من تم في الإجهاز على ما تبقى من ذلك التناغم ما بين ما هو مبني وما هو
طبيعي.
في حين أن الهدف الأسمى من العمران هو
رفاهية ورغد عيش السكان وذلك في مدينة تتوفر على بيئة سليمة ونمو اقتصادي يحترم
ظروف عيش السكان حالا ومستقبلا،
ومن شأن ذلك تحقيق ما
يسمى بالمدينة المستدامة. وقد تم تداول هذا المفهوم بشكل واسع بعد مؤتمر
"ريو" وأجاندا 21. والمدينة المستدامة هي المدينة التي تجمع بين النمو
الاقتصادي، والعدالة الاجتماعية، واحترام البيئة في إطار حكامة حضرية مبنية على
مشاركة السكان.
سنتطرق في مداخلتنا إلى وضعية المجالات
الخضراء بالمدن المغربية عامة وإلى العوامل والآليات التي أدت إلى تدهورها بشكل
سريع. وسيتم التركيز على الخصوص على إشكالية قانونية تتسم بالتناقض وتتجلى في
تغليب الاستثناء القانوني على حساب روح القانون الذي يستهدف
التدبير المعلن للمجال الحضري وحماية المجالات الخضراء.
كما أننا سنستشهد
بحالة مدينة المحمدية الموجودة قرب العاصمة الاقتصادية الدار البيضاء، التي كانت
تنعث من قبل بمدينة الزهور وأصبحت اليوم مدينة التلوث والاسمنت، بعد ما فقدت
بريقها ورونقها وشهرتها، ومن هذا المنطلق وجب إدراج تدبير المجالات الخضراء كمؤشر
وكرهان للحكامة الجيدة.
1 - فكرة البحث : محاولة تحديد آثار النمو
الديموغرافي والمضاربة العقارية وخصوصا الاستثناءات القانونية على تدهور البيئة
عامة والمجالات الخضراء على الخصوص بالمدن المغربية، ومن تم صعوبة تحقيق مايسمى
بالمدن المستدامة.
2 - المنهج البحثي
المستخدم: لقد تتبعث في هذا البحث الاطلاع على ما كتب على كثير من المدن المغربية
خصوصا في الجانب المتعلق بالمجالات الخضراء بها، مستشرفا وضعيتها وتطورها أو
تدهورها. وحاولت تحديد تأثير النمو الديمغرافي الكبير الذي شهدته هذه المدن،
وانعكاس المضاربة العقارية المصاحبة له على تدهور وتراجع المجالات الخضراء. وقد
توج هذا المنحى بالزيارات الميدانية لبعض هذه المدن.
كما
أنني حرصت على إعطاء مثال واضح بمدينة المحمدية حيث أتوفر على إحصائيات دقيقة
نابعة من التحقيق الميداني تبين أماكن تأثير الاستثناءات القانونية على المجالات
الخضراء.
3 - أهم النتائج :
من أهم النتائج الأولية التي توصلت إليها هي:
× أن
المجالات الخضراء في تراجع كبير في المدن المغربية عامة وفي مدينة المحمدية على
الخصوص وهذا يفقد التناغم بين المشهد الطبيعي والمشهد المبني.
× أن
آلة الاستثناء القانوني أصبحت قاعدة عوض أن تكون استثناء بالفعل، وكان لها تأثير
سلبي على الوثائق التعميرية التي أفرغتها في بعض المدن من محتواها ومن قوتها
القانونية، وقد تأثرت بذلك المجالات الخضراء بشكل أساسي.
× أن
تحقيق نمو اقتصادي في بيئة سليمة تحترم فيها ظروف عيش السكان حالا ومستقبلا يتوقف
على انخراط المسؤولين عن الجماعات الحضرية في مشروع يبرهنوا من خلاله على إرادة
حقيقية لتدبير المجالات الخضراء ومن تم العمل على تحقيق ما يسمى بالمدينة
المستدامة.
× أن
الحديث عن المدينة المستدامة لا يمكن أن يتحقق إلا بالاهتمام بالعناصر التالية:
+ تطور حضري ونمو اقتصادي متوازن يراعي
احترام المحيط بشكل عام.
+
تدبير مقتصد وعقلاني للمجال.
+
إشراك الساكنة الحضرية في التدبير المحلي.
4 - المصطلحات
العلمية (الكلمات الدالة) :
المدينة المستدامة – المجالات
الخضراء- الاستثناء القانوني- النمو الديمغرافي- المضاربة العقارية.