الجـغـرافـــــــــــية الاقتصـــــــــاديــــة

 الجغرافية الحديثة والجغرافية الاقتصادية:
 
تهتم الجغرافيا بصفة عامة بدراسة توزيع وتنظيم المظاهر المختلفة الطبيعية والبشرية على سطح الأرض فالجغرافية علم قديم يرجع الفضل في تأسيسه إلى اليونانيين القدماء فالجغرافية القديمة كانت علما وصفيا يهتم بسرد الحقائق والمشاهدات المتصلة بالعالم وسكانه فقد ضلت الجغرافيا علما وصفيا حتى القرن 18 اد انتقل هذا العلم إلى مرحلة جديدة يظهر من خلال العلاقات المتبادلة بين الظاهرة المختلفة ومحاولات الربط بينهما .وهكذا أصبح البحث الجغرافي يتسم مجال اهتمامه بالاتساع الكبير فهو يتعلق بسطح الأرض باعتباره ميدان البشرية وهذا يعني أن الجغرافية تنقسم أساسا إلى قسمين أساسيين .
         -الجغرافيا الطبيعية : وينحصر اهتمامهابدراسة الأرض وتاريخ تطورها وسطحها ومظاهر هذاالسطح و ومراحل تطوره وتحوله فضلا من غلافها المائي الحيوي بعيدا عن اثر الإنسان في ذلك كله ولقد ظهرت في نطاق علوم الجغرافية الطبيعية عدة أقسام تتمثل في الجغرافية الفلكية والمناخية والبحرية والنباتية والجيومرفولوجية والتربة.
         -الجغرافيا البشرية : تهتم بدراسة الإنسان نفسه وما يتعلق بأصوله ونشأته وما أحدثه بوجوده على سطح الأرض من تغيرات وتطورات في إطار أنواع مختلفة من الدراسات الجغرافية مثل جغرافية السكان الجغرافية التاريخية والجغرافية الاجتماعية –جغرافية المدن- الأرياف –السياسة – السياحة ثم جغرافيا الأنشطة البشرية أي دراسة الإنسان المنتج والناقل والمستهلك .... في إطار أنظمة الإنتاج المختلفة التي تحدد العلاقات الاجتماعية ومن هنا تكون للجغرافيا علاقة بعلمي الاقتصاد والاجتماع. فإذا كان المهتم بعلم الاجتماع يدرس ويحلل المجموعات البشرية بإبراز الخاصيات الأساسية –العائلة – الدين – النشاط الاقتصادي .... فان الجغرافي يضع المجموعات البشرية في مجالها ثم يبحث عن العلاقات بينه ومكونات الوسط في حين يهتم الاقتصادي بالأنظمة والقوانين العامة للإنتاج الذي يعبر عنها هذا الاقتصادي بصيغ وقواعد رياضية على شكل نماذج. فالجغرافية إذن علم ينظم معرفة العالم حول موضوع المجال. فهي تترجم المضمون اللامجالي لعلوم عديدة باستعمالها لمفهوم المجال لذلك تشترك مع هذه العلوم في منهجية التحليل في الأمثلة والنظرية وحتى في المفاهيم .
        - الاقتصـــــــاد : يعتبر جزء من العلوم الاجتماعية وهو علم حديث جدا إذا ما قرن بالعلوم الأخرى التي اهتمت بها الحضارات القديمة كالجغرافيا – الفلك – الفلسفة فقد ظهر أول كتاب للاقتصاد السياسي سنة 1615 لمؤلفه الفرنسي antoine وتطور علم الاقتصاد مع المؤلفين الكلاسيكيين الانجليز خلال القرن 18-19 ويعني هذا أن علم الاقتصاد ظهر وتطور في العصر الحديث أي خلال فترة نهضة اوروباوتطورها الصناعيوالذي عرف بالثورة الصناعية وهي ثورة عملت على تطوير الإنتاج كما خلقت علاقات إنتاجية جديدة لم تكن معروفة من قبل وأصبح الاقتصاد في القرن 20 عبارة عن مادة علمية له طرقه ومناهجه .ويدرس هدا الاقتصاد قوانين الإنتاج والتبادل والاستهلاك في المواد المنتجة في المجتمعات البشرية المختلفة وتبحث هذه القوانين في قيمة المنتوج وبالتالي في عناصر وعوامل الإنتاج وينقسم الاقتصاد إلى فروع منها الاقتصاد الزراعي –اقتصاد الشغل –الاقتصاد الحضاري والمجالي –الإقليمي ولهذه الفروع الأخيرة علاقة بعلم الجغرافيا .
         -الجغرافية الاقتصادية: تعتبر الجغرافية الاقتصادية فرعا هاما في فروع الجغرافية البشرية التي عرفت تطورات كثيرة خلال القرنين الآخرين شانها في ذلك شان بقية العلوم التي كان التقدم في أي منها يقود إلى التقدم في دراسة العلوم الاخرى وأصبح التعريف بهذا العلم وتحديد وضع الجغرافية بين العلوم الاجتماعية والطبيعية الاخرى يحظى باهتمام كبير لدى الجغرافيين والعلماء الباحثين في مجالها .لقد استعملت كلمة الجغرافية الاقتصادية لأول مرة في نهاية القرن 19 من طرف الألماني GDTC82 والذي يمكن اعتباره أول مؤسس لهذا العلم.وتهتم الجغرافيا الاقتصادية بدراسة أشكال النشاط الاقتصادي وتركيبه السكاني على سطح الأرض وما يتدخل مع هذا التوزيع السكاني من التأثيرات المتبادلة بين الوسط الطبيعي والسكاني . قد تصل إلى درجة التحكم في أشكال الإنتاج والاستهلاك لفترات زمنية مختلفة نتيجة لخلفيات حضارية وتكنولوجية . وتتسم الدراسة في الجغرافية الاقتصادية بدينامية مهمة لذالك يصبح من الصعب ملاحقة كل أشكال التغيرالاقتصادي التي تحدث باستمرار فيواجه المتهم بالجغرافية الاقتصادية مصاعب في جميع البيانات وتحليلها وترتبط هذه الدينامية بالتغييرات السياسية التي تؤثر على الإنتاج . ونظرا لكون النشاط الاقتصادي يشمل جميع أنحاء العالم فانه من الصعب إعطاء صورة تفصيلية عن العالم بأكمله في الجغرافية الاقتصادية بل يمكن الاقتصار على بعض الصور الأساسية لأشكال الإنتاج مع دراسة تفصيلية لأشكال وأنماط هامة مفيدة ومعبرة حسب الأقاليم الاقتصادية.هذه الأخيرة التي عرفها MAC KARTI *مناطق جغرافية تتفق فيما بينها بأنها في نفس الوقت مرحلة التقدم الاقتصادي *. هذه المراحل هي:1- مرحلة الصيد والجمع والالتقاط 2-مرحلة استخراج المعادن 3- مرحلة الرعي 4- مرحلة الزراعة 5- مرحلة الصناعة 6- مرحلة التجارة والخدمات. وأضاف البحث HASSINGER هو الأخر الإقليم أن مهمة الجغرافية الاقتصادية هي دراسة العلاقة بين الاقتصاد والمكان الجغرافي وهدفها يجب أن يقسم سطح الأرض إلى أقاليم اقتصادية ودراسة أشكال ومميزات هذه الأقاليم *.كما عرفها البعض الأخر بأنها *العلم الذي يبحث أوجه الأنشطة المختلفة والتي ترتبط بإنتاج وتوزيع واستهلاك موارد الثروة الاقتصادية وعلاقة ذلك بالمكان * وعبر عن هذا العلم البعض الأخر بأنه دراسة *بأنه دراسة بين عوامل البيئة الطبيعية والظروف الاقتصادية والحرف الإنتاجية وتوزيع منتجاتها * وقد جاء تعريف أخر يقول *العلم الذي يضم العوامل الجغرافية المؤثرة في إنتاج وتبادل السلع * كما تنعت أيضا *بأنها تلك الدراسة التي تبحث في مجهودان الإنسان والمشاكل التي تواجهه في كفاحه للعيش كما تتناول توزيع الموارد والأنشطة الاقتصادية المختلفة * ويمكننا أن نستخلص من كل هذه التعاريف أن الجغرافية الاقتصادية هي * العلم الذي يهتم بدراسة الأنشطة الاقتصادية للإنسان وعلاقة ذلك بالبيئة*
           وتظهر هده التعاريف الخاصة بالجغرافيا الاقتصادية أي كانت مدى ارتباط الجغرافية الاقتصادية واعتمادها على العديد من الدراسات الاخرى المتصلة بعناصر لها أهميتها الجغرافية كالدراسات الاقتصادية الصرفة وقوانينها الاقتصادية وبالنظم السياسية وقوانينها ونظم الضرائب والنظم النقدية السائدة دون نكران استقلالية منهج الدراسة الجغرافية الاقتصادية وارتباطها بالميدان الجغرافي أكثر من أي ميدان أخر فهي ترتبط ارتباطا وثيقا بالعديد من الدراسات البشرية والاجتماعية والسياسية وبالخصوص علم الاقتصاد والعلوم المرتبطة به نظرا لاهتماماتها بدراسة ظواهر الإنتاج والاستهلاك والتبادل في العالم كله بوجه عامر باعتباره كيان اقتصادي كبير من ناحية وفي قطر من أقطار العالم كل على حدة مستهدفا الإجابة على العديد من التساؤلات من وجهة نظر الجغرافية التي تتركز حول النشاط الإنساني المتعلق بكيفية تامين الإنسان لمتطلبات معيشية من خلال استغلال الإمكانيات والموارد الطبيعية والبشرية المتاحة له ونمط هذا الاستغلال وذلك عن طريق النقاط التالية :
-                    إنتاج والنشاط الاقتصادي القائم في مكان معين (إقليم)
-                    أين يمكن أن يقام النشاط الاقتصادي في كل من الدول ذلك انه من غير الضروري إمكانيات قيام الإنتاج في جميع مناطق الدولة.
-                    أين يقاوم هذا النشاط فعلا :مثلا أين يزرع الشمندر السكري أين يزرع منتوج معين أو أين توجد صناعة الحديد – أين تصنع السلع أو تقام حرفة من الحرف .
-                    لماذا يقاوم هذا النشاط أو ذاك في مكان معين دون الأخر وهذا هو دور الجغرافيا في التعليل والتفسير ووضع خرائط توزيع الإنتاج.
-                    كيفية مباشرة هذا الإنتاج وما يتضمنه ذلك من عرض وتحليل الحضارية للدول وبيان أما إذا كان النشاط الزراعي           
                             يستخدم وسائل وتقنيات حديثة أم أنها تتم بطريقة بدائية.
-                    ما هي قوانين قيام هذا النشاط الإنتاجي وفي أي فصل من فصول السنة.
-                    ما هي خصائص هذا النشاط الإنتاجي وهل يقتصر على مجرد تحقيق الاكتفاء الذاتي لم يحقق فائضا
-                    هل يتميز بالتخصص أو التنوع.
والتعرض للموضوعات المشار إليها يمكننا من دراسة وفهم الكثير من الأوضاع الاقتصادية لدول العالم المختلفة وقد اتفق الباحثين والدراسيين على أن ميدانها ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
1- الإنتـــــــــاج: ويشمل استخلاص وتصنيع الخامات الحيوية والحيوانية وبكافة أنواعها.
2- النقل والتجارة: ويشمل توزيع السلع المختلفة وتبادلها بين المنتج والمستهلك
3- الاســـــتهلاك: وهو هدف النشاط الاقتصادي بأكمله ويعتبر القسم الرئيسي في دراسة الجغرافيا الاقتصادية.
وقد أدى تعدد موضوعات الجغرافيا الاقتصادية واتساع ميدانها إلى تقسيمها إلى عدة أقسام من طرف المهتمين بها وان كانوا قد اختلفوا في طريقة عرضها والمتمثل بشكل عام في ثلاثة أقسام –الجغرافية الزراعية – الجغرافية            
         الجغرافية الاقتصادية النقل الموارد والتجارة .
علاقة الجغرافية الاقتصادية بالعلوم الأخرى
إن الإحاطة بالعلوم الأخرى شيء هام للاستيعاب الناتج الموضوعية التي ينتهي إليها البحث في تلك العلوم وهي حصيلة يجب أن يستعين بها الجغرافي في فهم وتفهم الظاهرة الجغرافية وفي الوصول إلى تحليل منطقي لها وبالتالي نستطيع ابتكار نتائج تتصل بالظواهر الطبيعية التي هي موضوع دراسته . فمثلا إذا أردنا دراسة زيت البترول نجد أن عملية اكتشافه من اختصاص هندسة البترول وعملية تكريره ونقله هي عملية صناعية أما عملية التسويق والتوزيع فتدخل في علم الاقتصاد أما دور الجغرافيا الاقتصادية فهو دراسة مشاكل الموقع وهل الموقع مناسب للإنتاج وأين ستقوم مناطق وأين يمكن أن تقام عملية التكرير ودراسة وسائل المواصلات والبحث عن أصلح ا ثار البيئة على الإنتاج ودراسة السلع المنافسة ومناطق إنتاجها ومن هنا كانت الإحاطة بنتائج العلوم الطبيعية والإنسانية الهامة جدا للجغرافي نظرا لان ميدان دراسة الجغرافية يتضمن الميد نين معا ولقد أدى دالك إلى أن وصف الباحثين الجغرافيا بأنها علم تركيبي بمعنى انه يتركب من مجموعة متنوعة من نتائج العلوم .لكن الأمر ليس كذلك وإنما الهدف الأساسي هو أن يكون لدى الجغرافي القدرة على التوفيق بين هذه النتائج والتنسيق بينهما لتكون معبرة في مجال موضوع دراسته لبعض الظواهر سواء كانت طبيعية أو بشرية والجغرافيا الاقتصادية تاخد اسمها من الجغرافيا وذلك يعني أنها تؤكد على دراسة المكان بخصائصه الطبيعية والبشرية .كما تاخد صفاتها من الاقتصاد وكلمة الاقتصاد هنا تعني تلك الأجزاء من العلوم التي تتعلق بالتطبيقات. غير أن الجغرافيا الاقتصادية لاتهتم بالجوانب التطبيقية لعلم الجغرافية وإنما تهتم بالجوانب الاقتصادية .
         وللجغرافية الاقتصادية علاقة وطيدة بعلم الاقتصاد إذ تعالج بعض النظريات والموضوعات التي يدرسها علم الاقتصاد فان العلاقة وثيقة بين العلمين . فعلى دارس الجغرافيا الاقتصادية أن يهتم بمبدأ وقواعد ونظريات علم الاقتصاد حتى يستطيع تفسير العوامل الاقتصادية المؤثرة في إنتاج وتبادل واستهلاك السلع والخدمات وعلى دارس الاقتصاد أن يدرس الجغرافية الاقتصادية التي تعالج موارد الثروة الاقتصادية التي تهدف إلى تحقيق غايات الإنسان فالاقتصاديون في حاجة إلى فهم الأسس الاقتصادية داخل الأقاليم الجغرافية المختلفة وعليهم البحث في المشكلات التي تنتج عن ندرة الموارد وهذه الندرة نتيجة لكثرة الحاجيات ولذلك نشأة النظم الاقتصادية لعلاج المشكلة الاقتصادية كمشكلة الإنتاج . فعلم الاقتصاد لا يدرس الجهد الذي يبدله الإنسان حتى يتمكن من إشباع حاجياته المتعددة وطرق إشباعها بأقل جهد واقل تكلفة فالحاجيات هي المحرك والجهد الذي يبدله الإنسان هو الوسيلة بينما إشباع الحاجة هو الغاية . فالاقتصاديون في دراستهم لغلة يتناولون الموضوع من الجوانب التي تتحكم في أسعاره والعرض والطلب وتقلبات الأسعار وتكاليف الإنتاج وتمويل مشروعات الإنتاج والتخزين والتسويق دون الربط والتوزيع والوصف والتعليل الذي تهتم به الجغرافية الاقتصادية. لكن الجغرافية الاقتصادية تعالج الموضوع بطريقة تختلف عن ذلك فهي تتناول دراسة القطن في ناحية طبيعية.هذه المادة والعوامل المتحكمة في إنتاجها وتوزيعها الجغرافي وتحليل هذا التوزيع وكمية الإنتاج أي أنها تهتم بالإنتاج في حين يهتم علم الاقتصاد بالتوزيع والاستهلاك ومن هنا تتضح العاتقة بين العلمين.فهناك ارتباط بين الإنتاج والتوزيع والاستهلاك كما تتناول العلوم الزراعية نفس الموضوع حيث يهتم دارس العلوم الزراعية في دراسة منتوج معين "القطن " بحيث يركز على ظروف الزراعة والتركيز على غلة ما في فصل معين والعوامل المؤثرة في زيادة الإنتاج والتهجين .كما توجد علاقة بين الجغرافية الاقتصادية والإحصاء فالجغرافية الاقتصادية تدرس السلع والخدمات وتقيس العلاقات بينهما ولا يكون ذلك دقيقا إلا باستخدام المقياس الرياضي  وهذا ما يقوم به رجل الإحصاء حيث يقوم بوضع القوانين الرياضية الصالحة لاستخدامها في الجغرافية الاقتصادية ولذلك كان من الضروري أن يلم دارس ج - إق بالإحصاء.
       
تعليقات