تقدم الخريطة الطبوغرافية مختلف أنواع استعمالات المجال الجغرافي من طرف الإنسان، غير أنها تقتصر على إظهار الأشكال التضاريسية والتجمعات البشرية ( المدن ، القرى والأنشطة الإقتصادية المتنوعة كالمغروسات والطرق ووسائل الري) بينما تظل المجالات التي تغطيها أنشطة مؤقتة كالزراعات الموسمية والرعي بيضاء دون رموز محدد مما يزيد من تعقيد مهمة تحليلنا لهذه الوثيقة ، وبشكل عام يقتضي التحليل البشري والإقتصادي للخريطة الطبوغرافية المغربية التطرق إلى مجالات متنوعة متداخلة وهي المجالات السكنية بمختلف أنواعها والمجالات الفلاحية والمجالات الحضرية مع استخلاص أشكال تنظيم المجال.
1- مجالات السكن الريفي من خلال الخريطة الطبغرافية :
نعني بالمجال الريفي الرقعة التي تكون فيها المنازل والمرافق التابعة لها بالمجالات القروية ، ويرتبط ظهوره بالمجال بممارسة الإنسان للأنشطة المتنوعة كالزراعة والرعي والنشاط الزراعي والمعدني أو بوجود مرافق متنوعة سياحية وعسكرية ودينية وغيرها.
ويكون المجال الريفي مستقرا ( الزراعة) أو متنقلا ( الرعي ) مستغلا بصفة دائمة أو مؤقتة ، ويتم البناء بمواد محلية تعكس تفاعل الإنسان مع بيئته. فعلى مستوى الجدران يتم البناء بالطوب في السهول والحجارة المكتلة بالطين في الجبال. وعلى مستوى السقوف يتم اللجوء إلى مواد متنوعة كذلك حسب توفرها والإمكانيات الخاصة للسكان كالأعشاب والقصب والخشب المغطات بالطين والقصب. وينتشر السكن الريفي المبني بالمواد المحلية في غالبية مناطق وجهات المغرب لجبال الريف والأطلس والواحات والهضاب والسهول فيما تعرف بعض المناطق السهلية التي خضعت للتعمير الأوروبي أو التي شهدت تطبيق سياسة الإصلاح الزراعي بعد الإستقلال انتشار سكن صلب بالمواصفات العصرية، غير أنه في إطار التحولات العميقة التي يشهدها المجال المغربي عامة منذ بضعة عقود، أصبحت الأرياف خاصة القريبة من المدن وطرق المواصلات تغزوها مواد البناء العصرية ( الإسمنت، الآجور، الحديد ...) فظهرت مباني بخصائص معمارية وعمرانية غريبة عن البيئة المحلية ، على كل حال يخضع توزيع السكن الريفي وانتشاره بالمجال لعدة عوامل وظروف نجملها :
- العوامل الطبيعية : كالتضاريس والتربة والمناخ والمياه ، فالإنسان يبحث عن الطبوغرافية الملائمة والتربة الغنية أو الصالحة للزراعة والمناخ الملائم الذي يساعد على ممارسة الزراعات وتوفير المراعي والغابات.
- العوامل التاريخية .
- العوامل السياسية والإدارية : كتدخل الدولة عن طريق مصالحها لبناء قرى نموذجية خاصة في إطار تطبيق سياسة الإصلاح الزراعي.
- العوامل الإقتصادية : كالأنشطة الإقتصادية وانتشار الإستثمارات وطرق المواصلات ينضاف إلى ذلك عوامل اجتماعية كتنظيم المجموعات البشرية على المستوى المحلي وعقارية ( الوضع العقاري السائد) ودينية ( وجود زوايا وأضرحة ). وتساهم هذه العوامل في تنوع هام لأشكال السكن الريفي وعموما نميز بين مجموعتين رئيسيتين لأشكال السكن الريفي.
1-1- السكن الريفي المتجمع :
وتتصل المباني بعضها ببعض بواسطة المنازل أو المرافق التابعة لها، وحسب الجهات والأقاليم الجغرافية للمغرب يأخذ السكن المتجمع عدة أسماء في الخريطة الطبوغرافية فهو يسمى دوار في السهول والهضاب الأطلسية الداخلية ، و إغرم بالأطلس المتوسط والكبير،و تشار في جبال الريف وأﯕدير بمنطقة سوس. القصبة أو القصر بالواحات الممتدة جنوب الأطلس الكبير وملوية العليا، ويمكن تصنيف السكن المتجمع إلى عدة أنواع ، ومن المعايير الأساسية لهذا التصنيف الكثافة العمرانية أو كثافة النسيج المبني ، والشكل العام الذي يأخده انتشاره في المجال وموضعه الطبوغرافي والموقع بالنسبة للحيز الفلاحي.
1-1-1- أنواع السكن المتجمع حسب الكثافة :
تختلف درجة السكن المتجمع حسب درجة التقارب أو التباعد.
- السكن المتراص المفتوح: ولا يتوفر على أسوار أو أحصنة.
- السكن المتزاحم : وتكون المباني متصلة فيما بينها بواسطة الجدران او بواسطة المرافق التابعة لها.
- السكن المفكك: وتكون البيوت ومرافقها منفصلة عن بعضها البعض بوجود ساحات فارغة عبارة عن صخور وبساتين مثلا.
1-1-2- أنواع السكن المتجمع حسب الشكل :
يتخذ السكن المتجمع اشكالا متنوعة كما يلي :
- السكن الخطي او السكن الطرقي : ويتميز باصطفافه على طول طريق او ساقية او نهر او سفح.
- السكن ذو الشكل المستدير : حيث تتجمع المنازل على شكل حلقة أو أي شكل آخر يميل إلى الإستدارة مع ساحة بالوسط احيانا، ومن هنا جاءت كلمة دوار.
- السكن ذو الشكل النجمي : ويتكون عند تقاطع طرق المواصلات أو عند تفرغ الوديان مثلا.
- السكن السديمي : ويتميز بتفرعه إلى نوى صغيرة ممتدة في اتجاهات مختلفة في شكل شظايا متناثرة ومتباعدة نسبيا.
- السكن الهندسي : ويكون منتظما تنظيما هندسيا محكما باصطفافه على طول ممرات وأزقة متقاطة . وغالبا ما يكون ناتجا عن تدخلات استصلاحية تقوم بها الدولة والقطاع الخاص.
1-1-3- أنواع السكن المتجمع حسب الموضع :
يحتل السكن الريفي مواضع متنوعة في المجال كالقمم والحافات والسفوح وفوق المساط والضفاف النهرية ، يفسر ذلك باسباب متنوعة تاريخية وطبيعية وعقارية وغيرها.
- مواضع القمم واعالي السفوح : يحتل السكن الريفي القمم لأسباب دفاعية كما كان يحدث في الفترات التاريخية المضطربة أو بتجنب خطر الفياضانات والسيول التي تتعرض لها المناطق المنخفضة او لربح المجال الزراعي بتخصيص المناطق المرتفعة للسكن والموجودة في الأسفل للزراعة فتسهل مراقبة المزارع والحقول والإشراف عليها. ( الشاون، ملوسة)
- موضع وسط السفوح : ويتحكم في انتشار السكن في هذه الاماكن عاملين رئيسيين وفرة مصادر المياه بشكل عيون وينابيع خاصة في مناطق توضع الكلس فوق الطبقات الصخرية غير النافذة ( الذروة الكلسية للريف الغربي) أو ليحتل السكن موقعا وسطا بين رسطاقين ( أراضي لها مؤهلات زراعية معينة ) اثنين او حيزين اثنين حيز الزراعة والمغارس في الأسفل وحيز الرعي وبعض الزراعات الخفيفة في الاعالي. (الشاون )
- موضع قدم السفوح : بالإضافة إلى اخرى ممكنة يحتل سكن هذه المواضع إذا كانت السفوح حادة كما هو حال السفوح المقعرة ولتفادي خطر الفياضانات كذلك في حالة سفوح متصلة بسهول ومنخفضات.
- موضع الحافات : في كثير من الحالات تشق هذه الحافات اودية تشكل تغراث أو اكمام ( إيمي ) تسهل الغتصال والتبادل وتوفر مياه الري ويستغلها الإنسان للإستقرار. ( ايمي نتانوت )
- موضع ضفة النهر الغرينية : ويتقر فيه الغنسان نظرا لمؤهلاته الطبيعية ( التربة الغنية ووفرة المياه).
- موضع ممر : كالفجاج والممرات الطبيعية ومن مؤهلاته الإستفادة من خطوط المواصلات التي تخترقه مما ينعش حركة التبادل والمرور.
من جهة اخرى يحتل السكن الريفي المتجمع مواقع مركزية بالنسبة للحيز الفلحي ، قد يشغل موقعا مركزيا بالنسبة لرستاق الزراعة أو لعدة رساتيق متنوعة ومتدرجة أو ينتظم بصفة خطية متوازية لرساتيق فلاحية ( السفوح مثلا) أو ان يكون السكن هامشيا بالنبة لهاته الرساتيق.
1-2- السكن المتفرق:
يتميز السكن المتفرق بتباعد المباني عن بعضها البعض إذ ليس هناك اي شكل من اشكال التجمع تفصل بينها الحقول أو المراعي وغيرها من الاراضي الشاغرة أو المساحات المستغلة، ويفسر تفرق السكن الريفي لعدة عوامل قانونية واقتصادية مما يحول دون تجمع السكن وطبيعة توفر المياه في شكل آبار متفرقة أو على طول الانهار الشيء الذي لا يحرض حول نقطة ما محددة او العامل السياسي والامني المتمثل في استتباب الأمن الذي يشجع على تفرق السكن والإداري كعمليات الإستصلاح الزراعي التي تقوم بها الدولة في النطاقات السقوية العصرية لانشاء تجزيئات فلاحية يتوزع السكن داخلها بشكل هندسي ومتفرق ويمكن ان نضيف إلى هذه العوامل عوامل اجتماعية تتجلى في نمط حياة جديدة مبني على النزوع المتزايد نحو الاسرة الفردية أو النووية من جهة أخرى يمكن تصنيف السكن المتفرق على مستويين :
- على مستوى الكثافة : نميز بين السكن المتفرق المتزاحم حيث تكون المنازل متقاربة مع بعضها البعض والسكن المتفرق المتباعد وفي هذه الحالة تفصل بين المباني استغلاليات واسعة كما هو الحال في المناطق التي عرفت تعمير الاوربيين.
- على مستوى الشكل : نميز بين السكن المتفرق المنتظم ومن الامثلة على ذلك الذي ينتشر في الدوائر السقوية العصرية الذي خضع لتوزيع هندسي في إطار تجزيئات فلاحية وسكن متفرق غير منتظم المنتشر بشكل عشوائي دون تكثيف.
1-3- المراكز القروية :
تأخد تجمعات السكن الريفي في العديد من الاحيان احجاما وابعادا مجالية هامة خاصة من حيث الكثافة والشكل مما يجعلها ترتقي إلى مستوى مراكز قروية وبالفعل فإن العديد من الخرائط الطبوغرافية المغربية تحمل عناوينها من هذه المراكز التي تتميز بتصميم معين ومعمار ومواد بناء متطورة، وبوجود انشطة اقتصادية غير فلاحية، تجارية، إدارية وتجهيزات متنوعة كموقعها على طرق المواصلات او عند تقاطعها او بوجود سوق فلاحي اسبوعي او بقرار سياسي او إداري كإنشاء قرى نموذجية او لعوامل دينية ( وجود زوايا واضرحة ).
من جهة اخرى نشير إلى ان المعلومات التي تقدمها الخريطة الطبوغرافية بخصوص السكان هزيلة للغية وكل ما يمكن معرفته اسماء المجموعات البشرية التي تعيش في المجال الذي تقدمه الخريطة في إطار قبيلة أو فخد ( مجموعة عظام ملتحمة بحدود ترابية معينة ) او عظم ( أسرة ابوية كبيرة تشكل قرية او عدة قرى ). ويمكن كذلك ضبط امتداد الأفخاد انطلاقا من الإتجاه الذي تاخده الاسماء وتوزيعها بالنسبة للوحدات التضاريسية.
2- المجالات الفلاحية من خلال الخريطة الطبوغرافية :
2-1- العوامل المحددة لامتداد المجال الفلاحي :
يتحكم في امتداد المجال الفلاحي عوامل متعددة تاريخية واجتماعية وعقارية وسياسية واقتصادية وطبيعية كالتضاريس والتربة والمياه والمناخ والنبات.
وبينما يصعب ضبط العوامل البشرية من خلال الخريطة الطبوغرافية يسهل تحديد أثرالعوامل الطبيعية ، فمن خلال الخريطة يمكن استخراج أثر التضاريس على امتداد المجال الفلاحي فالزراعة تنتشر عادة في مناطق ذات انحدار ضعيف كالسهول والهضاب والاحواض وعند قدم الجبل غير ان هذا لا يعني غيابها فوق السفوح الوعرة حيث يتم التغلب على عنف الإنحدار بإقامة المدرجات ، وللمناخ تأثير واضح على امتداد المجال الفلاحي والمناطق التي تحظى بتساقطات كيفة تسمح مبدأيا بممارسة نشاط زراعي متنوع ويمكن استنباط المناخ السائد في المنطقة التي تمثلها خريطة ما بصفة تقريبية اعتمادا على خطوط العرض وعامل الإرتفاع ومن خلال معلومات اخرى كنوعية الغطاء النباتي وطبيعة الجريان ونوعية الزراعات الممارسة ووجود جريان دائم مؤشر على غزارة التساقطات وظروف مناخية رطبة، إن وجود جريان متنوع بين دائم وموسمي ومؤقت يشير إلى ظروف مناخية شبه جافة او جافة، وفي المناطق القاحلة وشبه القاحلة ( الجافة ) يتم التعويض على قلة التساقطات وتذبذبها باللجوء إلى الري بمياه السدود ومياه الانهار او المياه الجوفية وتساعد هذه التقنية على توسيع هام للمجالات الفلاحية ويتم الري بطريقة تقليدية قديمة كالناعورة – الخطارات – وبطريقة الفيض الناجم عن السيول او بطريقة عصرية بواسطة قنوات تسميلية محمولة او سطحية تحل محل المياه من السدود من الحقول وباستعمال آليات متطورة كالرش او الأذرع المحورية او طريقة التقطير او باللجوء إلى المضخات البنزينية في حالة استغلال الفرشة الباطنية أو بضخها من الانهار و يكون التمييز بين طرق الري التقليدية و العصرية من خلال الخريطة الطوبوغرافية أمرا ممكنا.
2-2- مكونات المجال الفلاحي من خلال الخريطة الطبغرافية :
تقدم الخريطة الطبوغرافية المجال الفلاحي في ثلاث حيزات رئيسية :
· حيز الزراعات الحولية او الموسمية : من حبوب وقطاني ومزروعات صناعية وعلفية كالخضروات وغيرها وباستثناء الخضروات والمزروعات التي يشار غليها برموز خاصة فإن الزراعات الاخرى تبقى بدون رموز يصعب استنباطها والتمييز بين انواعها من خلال الخريطة الطبغرافية، غير انه يمكن استخراج بعض أنواع المزروعات كالحبوب اعتمادا على مؤشرات محددة كالطبوغرافية المنبسطة وكثافات السكان او من خلال وجود مصطلحات محلية مثل البلاد Bled ، حرف la beur ، فدان Fedan ، أو وجود رموز خاصة لمطاحن الحبوب ¤ OX أو مخازن ( مطمورات )، كما يمكن التمييز من خلال الخريطة الطبوغرافية بين الزراعات الموسمية البورية المسقية مع تحديد وسائل الري المستعملة.
· حيز المغروسات والاشجار المثمرة : وقد سبقت الإشارة إلى طرق تمثيلها على الخريطة الطبوغرافية وتمارس في إطار تقليدي ( زيتون ، نخيل ) او في إطار عصري ( حوامض ، كروم ) ويقتضي تحليل الخريطة الطبوغرافية الإشارة إلى انواعها والمواضع التي تحتلها ومدى قربها من مصادر المياه.
· حيز الرعي والتدجين : لا يعطى للمراعي اي رمز محدد فوق الخريطة الطبوغرافية غير انه يمكن اعتبار المجالات التي تغطيها الغابات والاحراش مراعي ، ويمكن ان نضيف إليها المناطق التي تظل بيضاء فوق القمم والسفوح الوعرة ، ومن المؤشرات الاخرى على وجود الرعي وجود او توفر مناطق عشبية في قعور الاودية وقرب الضايات والمرجات وانتشار السياجات لمنع دخول القطيع إلى الحقول المزروعة، بالإضافة إلى وجود مصطلحات محلية لممارسة الرعي مثلا أزغار ( مرعى شتوي عند قدم الجبل ) ، تشتا ( ويدل على الغابات والاحراش )، حتى في غياب هذه المؤشرات فإن هذا لا يعني غياب نشاط تربية الماشية الذي يمكن ان يمارس في الحظائر اي التدجين المستقر، خاصة إذا توفرت بالخريطة مباني مستطيلة الشكل او بالإعتماد على الحصائب والمواد العلفية خاصة الأبقار.
2-3- نظام الإستغلال الزراعي من خلال الخريطة الطبوغرافية :
2-3-1- وسائل الإنتاج والمردودية :
يقصد بوسائل الإنتاج الفلاحي كل ما يجنده الفلاح من ارض ورأسمال ووسائل حرث و حصاد ودرس واسمدة ووسائل الري، اليد العاملة ووسائل تخزين المخزون ويحدد نوع هذه المسائل الدرجة الاقتصادية والاجتماعية للبلد ، وتتحكم بشكل كبير في الإنتاج و الإنتاجية و نعمد لاستخراج هذه الوسائل في الخريطة الطبغرافية على مؤشرات ،ففي مناطق الفلاحة البورية ذات التضاريس السهلية و الهضبية يساعد انبساط السطح على استعمال وسائل إنتاج عصرية في مختلف مراحل الإنتاج كالجرارات وآلات الحرث و الدرس و نقل المنتوج الذي يكون ذو إنتاجية متقطعة ( فلاحة مغلالة) ، كما هو الحال في معظم السهول كالغرب و الشاوية ودكالة والحوز وسايس وطرفة و ملوية السفلى و الهضاب الداخلية كذاك بالنسبة للمغرب.
أما إذا كانت التضاريس جبلية ووعرة فيتم اللجوء إلى وسائل الإنتاج التقليدية ويكون المردود ضعيفا ( فلاحة مقلالة ) غير انه يمكن أن يكون الغنتاج كثيفا ومتنوعا كما هو الحال على طول الاودية وعند اقدام الجبال وبالأحواض والمنخفضات أما في المناطق المروية يعتبر الري من الوسائل التي تساعد على الرفع من الإنتاج الزراعي ، وتنوع وسائل الري بشكل كبير سواء في المناطق التي تعتمد الري التقليدي او في دوائر عصرية و من المؤشرات التي تساعدنا على التمييز بين انواع الري وجود السدود وقنوات الري الهندسية والمضخات البنزينية ( بالنسبة للري العصري ) او يتعلق الامر بعيون وآبار ( بالنسبة للري التقليدي ) ومن خلال هذه المؤشرات وما يرافقها من تسميات ومصطلحات يمكن معرفة القطاعات المشرفة على الري ( الدولة ام الشركات ام الخواص ام الزوايا ام صغار الفلاحين ام مجموعة بشرية معينة ).
2-3-2- أنماط الإنتاج الفلاحي من خلال الخريطة الطبوغرافية :
تتضمن الخريطة الطبوغرافية معطيات ومؤشرات متنوعة تساعد على تحديد انواع أنماط الإنتاج الفلاحي السائد كطبيعة السكن ونوع الإنتاج الفلاحي وحجم المنتوجات وشكلها والتسميات المرافقة لبعض الحيازات، وعموما يمكن التمييز بين انماط الإنتاج الرئيسية الآتية :
- نمط الإنتاج القبلي : وهو نمط انتاج جماعي يعتمد على التضامن والتعبئة لأفراد القبيلة قصد التحكم في الظروف الطبيعية الوعرة كإقامة المدرجات وبناء قنوات الري وصيانة الخطارات وشق المسالك واجتثات مناطق تكسوها الاحراش بهدف توسيع المجال الفلاحي ... ، ويسود نمط الإنتاج على الخصوص بالمناطق الوعرة كالجبال وفي الواحات كذلك.
- نمط الإنتاج الرأسمالي : ويسود على الخصوص بالمناطق السهلية الغنية التي خضعت للتعمير الأوربي في فترة الحماية ولسياسة الإصلاح الزراعي بعد الإستقلال من مؤشرات على الخريطة وجود ضيعات ذات شكل هندسي تمتد على مساحات كبيرة نسبيا ومجهزة بقنوات ري هندسية وسكن متفرق ومنتظم.
- نمط النظام التعاوني : ويسود على الخصوص في المناطق التي شهدت تطبيق سياسة الإصلاح الزراعي بعد الإستقلال حيث نظم العديد من الفلاحين انفسهم في إطار تعاونيات خاصة في نطاقات سقوية حديثة والمسيرة من طرف مكاتب الإستثمار الفلاحي ORMIA. ومن المؤشرات التي تساعد على ضبط نمط إنتاج تعاوني وجود استغلاليات تخضع لتنظيم محكم وكثافة مسالك الطرق والسكن المتفرق.
- نمط الإنتاج القائدي : ويدل على وجوده بالخريطة الطبوغرافية بعض المصطلحات تذكر بالبنية الإقتصادية كالعزيب، دار القايض او أسماء مجالات ريفية و حضرية كبرى. وقد نجده كذلك على مستوى الزوايا والاعيان اللذين استفادوا في الماضي من الإقطاعات التي وهبها المخزن قصد استقطابهم.
2-4- تنظيم المجال الفلاحي من خلال الخريطة الطبوغرافية :
- تنظيم المجال الفلاحي على مستوى المشارة :
المشارة هي أبسط تقسيم للأرض الفلاحية المستغلة المخصصة لنوع معين من الزراعات او المغروسات ( مشارت القمح ، مشارت الكروم ... ) وبينما يسهل ضبط المجال الفلاحي يستحيل التعرف على حدود المشارات الزراعية الموسمية إلا إذا كانت مسيجة.
- تنظيم المجال الفلاحي على مستوى المحاط :
المحاط هو مجموعة الاراضي التي تملكها مجموعة بشرية ملكا شرعيا او عرفيا، ويستغلها ، ويتكون من مجموعة من الرساتيق المتنوعة ( الرستاق بقعة ارضية لها مؤهلات طبيعية معينة تستغل للزراعة او للري ) يستدل في الخريطة الطبوغرافية بتقسيمات معينة كرساتق الزراعة الحولية ( بلاد ، فدان ) ورساتيق الأشجار المثمرة والخضروات ( خضروات، جنان ، السانية ، البحيرة ، الغرسة ) ورساتق البقوليات ( البحيرة ، الولبة ) ورساتق خاصة بالرعي ( اكدال ، المروج ، تاﯕانت ، تيشكا ) ، ويقسم المحاط إلى حريث ( الجزء المستغل فعلا) وشيّم ( الأرض المحروثة ).
- تنظيم المجال الفلاحي على مستوى المشهد :
نميز بين المشهد الفلاحي الذي يخص المشارات الفلاحية الخاصة بإنتاج الحبوب والاشجار المثمرة والخضر والشكل العام الذي تتخذه في المجال والمشهد الزراعي الذي يتضمن بالإضافة إلى ذلك مظاهر اخرى كالمنشئات السكنية والغير السكنية من طرق ومساليك وقنوات الري وسياجات، وأخيرا المشهد الريفي الذي هو انعكاس لتدخل الإنسان في المجال في جميع تمظهراته.
وبخصوص المشهد الفلاحي نميز بين الانواع الآتية :
· المشهد الفلاحي المفتوح : وينتشر على الخصوص في السهول والهضاب ويكون عبارة عن مشارات خاصة بالفلاحة الموسمية كما يشمل المغارس.
· المشهد الفلاحي المغلق : ويتضمن مشارات مسيجة تأوي فلاحات موسمية أو شجرية ويكون السياج نباتيا حيا او مكونا من بقايا الأشجار او عبارة عن اسلاك أو أسوار قصيرة من الحجارة ، ويكون الهدف من إقامة السياج تاكيد الملكية او منع دخول المواشي أو الحد وطئت الرياح.
· المشهد الفلاحي المزدوج : ويمج بين المشهد الفلاحي المفتوح والمغلق.
· المشهد الفلاحي المتدرج : وينتشر فوق السفوح الوعرة حين يعمد السكان إلى إقامة المدرجات للتغلب على عنف الإنحدار والحيلولة دون انجراف التربة .
· المشهد الفلاحي ذو الزراعات المختلطة : ويجمع بين مشارات الزراعات الموسمية والزراعات الشجرية وينتشر على الخصوص في اجزاء واسعة من جبال الريف كما يعرف اتساع حقيقيا في المناطق السقوية الحديثة ( في إطار تجزئات فلاحية ) او تقليدية.
3- المجالات الحضرية:
تقدم بعض الخرائط الطبوغرافية مجالات حضرية متنوعة ومراكز تختلف من حيث الاهمية من خريطة لأخرى وبشكل عام فإن المعلومات التي تقدمها هذه الوثيقة بخصوص المجال الحضري معلومات هامة ومحدودة جدا لا تسمح بالقيام بتحليل دقيق وشامل لهذا المجال وذلك راجع إلى المقاييس التي انجزت فيها الخريطة الطبوغرافية والتي لا تسمح بتمثيل معطيات دقيقة للمدينة. ونظرا كذلك لما تتصف به رموز ممثلة للمجال الحضري من تبسيط وتعميم.
وبالنظر إلى هذه الصعوبات فإن العناصر التي يمكن تناولها من خلال الخريطة الطبوغرافية تقتصر على معاينة الموقع والموضع والشكل العام الذي يتخذه تصميم المدينة ، اما بنية النسيج الحضري واستعمال الارض والأنشطة فلا يمكن معالجتها بشكل تفصيلي إلا من خلال التصاميم الحضرية والصور الجوية ووثائق أخرى.
1- مجالات السكن الريفي من خلال الخريطة الطبغرافية :
نعني بالمجال الريفي الرقعة التي تكون فيها المنازل والمرافق التابعة لها بالمجالات القروية ، ويرتبط ظهوره بالمجال بممارسة الإنسان للأنشطة المتنوعة كالزراعة والرعي والنشاط الزراعي والمعدني أو بوجود مرافق متنوعة سياحية وعسكرية ودينية وغيرها.
ويكون المجال الريفي مستقرا ( الزراعة) أو متنقلا ( الرعي ) مستغلا بصفة دائمة أو مؤقتة ، ويتم البناء بمواد محلية تعكس تفاعل الإنسان مع بيئته. فعلى مستوى الجدران يتم البناء بالطوب في السهول والحجارة المكتلة بالطين في الجبال. وعلى مستوى السقوف يتم اللجوء إلى مواد متنوعة كذلك حسب توفرها والإمكانيات الخاصة للسكان كالأعشاب والقصب والخشب المغطات بالطين والقصب. وينتشر السكن الريفي المبني بالمواد المحلية في غالبية مناطق وجهات المغرب لجبال الريف والأطلس والواحات والهضاب والسهول فيما تعرف بعض المناطق السهلية التي خضعت للتعمير الأوروبي أو التي شهدت تطبيق سياسة الإصلاح الزراعي بعد الإستقلال انتشار سكن صلب بالمواصفات العصرية، غير أنه في إطار التحولات العميقة التي يشهدها المجال المغربي عامة منذ بضعة عقود، أصبحت الأرياف خاصة القريبة من المدن وطرق المواصلات تغزوها مواد البناء العصرية ( الإسمنت، الآجور، الحديد ...) فظهرت مباني بخصائص معمارية وعمرانية غريبة عن البيئة المحلية ، على كل حال يخضع توزيع السكن الريفي وانتشاره بالمجال لعدة عوامل وظروف نجملها :
- العوامل الطبيعية : كالتضاريس والتربة والمناخ والمياه ، فالإنسان يبحث عن الطبوغرافية الملائمة والتربة الغنية أو الصالحة للزراعة والمناخ الملائم الذي يساعد على ممارسة الزراعات وتوفير المراعي والغابات.
- العوامل التاريخية .
- العوامل السياسية والإدارية : كتدخل الدولة عن طريق مصالحها لبناء قرى نموذجية خاصة في إطار تطبيق سياسة الإصلاح الزراعي.
- العوامل الإقتصادية : كالأنشطة الإقتصادية وانتشار الإستثمارات وطرق المواصلات ينضاف إلى ذلك عوامل اجتماعية كتنظيم المجموعات البشرية على المستوى المحلي وعقارية ( الوضع العقاري السائد) ودينية ( وجود زوايا وأضرحة ). وتساهم هذه العوامل في تنوع هام لأشكال السكن الريفي وعموما نميز بين مجموعتين رئيسيتين لأشكال السكن الريفي.
1-1- السكن الريفي المتجمع :
وتتصل المباني بعضها ببعض بواسطة المنازل أو المرافق التابعة لها، وحسب الجهات والأقاليم الجغرافية للمغرب يأخذ السكن المتجمع عدة أسماء في الخريطة الطبوغرافية فهو يسمى دوار في السهول والهضاب الأطلسية الداخلية ، و إغرم بالأطلس المتوسط والكبير،و تشار في جبال الريف وأﯕدير بمنطقة سوس. القصبة أو القصر بالواحات الممتدة جنوب الأطلس الكبير وملوية العليا، ويمكن تصنيف السكن المتجمع إلى عدة أنواع ، ومن المعايير الأساسية لهذا التصنيف الكثافة العمرانية أو كثافة النسيج المبني ، والشكل العام الذي يأخده انتشاره في المجال وموضعه الطبوغرافي والموقع بالنسبة للحيز الفلاحي.
1-1-1- أنواع السكن المتجمع حسب الكثافة :
تختلف درجة السكن المتجمع حسب درجة التقارب أو التباعد.
- السكن المتراص المفتوح: ولا يتوفر على أسوار أو أحصنة.
- السكن المتزاحم : وتكون المباني متصلة فيما بينها بواسطة الجدران او بواسطة المرافق التابعة لها.
- السكن المفكك: وتكون البيوت ومرافقها منفصلة عن بعضها البعض بوجود ساحات فارغة عبارة عن صخور وبساتين مثلا.
1-1-2- أنواع السكن المتجمع حسب الشكل :
يتخذ السكن المتجمع اشكالا متنوعة كما يلي :
- السكن الخطي او السكن الطرقي : ويتميز باصطفافه على طول طريق او ساقية او نهر او سفح.
- السكن ذو الشكل المستدير : حيث تتجمع المنازل على شكل حلقة أو أي شكل آخر يميل إلى الإستدارة مع ساحة بالوسط احيانا، ومن هنا جاءت كلمة دوار.
- السكن ذو الشكل النجمي : ويتكون عند تقاطع طرق المواصلات أو عند تفرغ الوديان مثلا.
- السكن السديمي : ويتميز بتفرعه إلى نوى صغيرة ممتدة في اتجاهات مختلفة في شكل شظايا متناثرة ومتباعدة نسبيا.
- السكن الهندسي : ويكون منتظما تنظيما هندسيا محكما باصطفافه على طول ممرات وأزقة متقاطة . وغالبا ما يكون ناتجا عن تدخلات استصلاحية تقوم بها الدولة والقطاع الخاص.
1-1-3- أنواع السكن المتجمع حسب الموضع :
يحتل السكن الريفي مواضع متنوعة في المجال كالقمم والحافات والسفوح وفوق المساط والضفاف النهرية ، يفسر ذلك باسباب متنوعة تاريخية وطبيعية وعقارية وغيرها.
- مواضع القمم واعالي السفوح : يحتل السكن الريفي القمم لأسباب دفاعية كما كان يحدث في الفترات التاريخية المضطربة أو بتجنب خطر الفياضانات والسيول التي تتعرض لها المناطق المنخفضة او لربح المجال الزراعي بتخصيص المناطق المرتفعة للسكن والموجودة في الأسفل للزراعة فتسهل مراقبة المزارع والحقول والإشراف عليها. ( الشاون، ملوسة)
- موضع وسط السفوح : ويتحكم في انتشار السكن في هذه الاماكن عاملين رئيسيين وفرة مصادر المياه بشكل عيون وينابيع خاصة في مناطق توضع الكلس فوق الطبقات الصخرية غير النافذة ( الذروة الكلسية للريف الغربي) أو ليحتل السكن موقعا وسطا بين رسطاقين ( أراضي لها مؤهلات زراعية معينة ) اثنين او حيزين اثنين حيز الزراعة والمغارس في الأسفل وحيز الرعي وبعض الزراعات الخفيفة في الاعالي. (الشاون )
- موضع قدم السفوح : بالإضافة إلى اخرى ممكنة يحتل سكن هذه المواضع إذا كانت السفوح حادة كما هو حال السفوح المقعرة ولتفادي خطر الفياضانات كذلك في حالة سفوح متصلة بسهول ومنخفضات.
- موضع الحافات : في كثير من الحالات تشق هذه الحافات اودية تشكل تغراث أو اكمام ( إيمي ) تسهل الغتصال والتبادل وتوفر مياه الري ويستغلها الإنسان للإستقرار. ( ايمي نتانوت )
- موضع ضفة النهر الغرينية : ويتقر فيه الغنسان نظرا لمؤهلاته الطبيعية ( التربة الغنية ووفرة المياه).
- موضع ممر : كالفجاج والممرات الطبيعية ومن مؤهلاته الإستفادة من خطوط المواصلات التي تخترقه مما ينعش حركة التبادل والمرور.
من جهة اخرى يحتل السكن الريفي المتجمع مواقع مركزية بالنسبة للحيز الفلحي ، قد يشغل موقعا مركزيا بالنسبة لرستاق الزراعة أو لعدة رساتيق متنوعة ومتدرجة أو ينتظم بصفة خطية متوازية لرساتيق فلاحية ( السفوح مثلا) أو ان يكون السكن هامشيا بالنبة لهاته الرساتيق.
1-2- السكن المتفرق:
يتميز السكن المتفرق بتباعد المباني عن بعضها البعض إذ ليس هناك اي شكل من اشكال التجمع تفصل بينها الحقول أو المراعي وغيرها من الاراضي الشاغرة أو المساحات المستغلة، ويفسر تفرق السكن الريفي لعدة عوامل قانونية واقتصادية مما يحول دون تجمع السكن وطبيعة توفر المياه في شكل آبار متفرقة أو على طول الانهار الشيء الذي لا يحرض حول نقطة ما محددة او العامل السياسي والامني المتمثل في استتباب الأمن الذي يشجع على تفرق السكن والإداري كعمليات الإستصلاح الزراعي التي تقوم بها الدولة في النطاقات السقوية العصرية لانشاء تجزيئات فلاحية يتوزع السكن داخلها بشكل هندسي ومتفرق ويمكن ان نضيف إلى هذه العوامل عوامل اجتماعية تتجلى في نمط حياة جديدة مبني على النزوع المتزايد نحو الاسرة الفردية أو النووية من جهة أخرى يمكن تصنيف السكن المتفرق على مستويين :
- على مستوى الكثافة : نميز بين السكن المتفرق المتزاحم حيث تكون المنازل متقاربة مع بعضها البعض والسكن المتفرق المتباعد وفي هذه الحالة تفصل بين المباني استغلاليات واسعة كما هو الحال في المناطق التي عرفت تعمير الاوربيين.
- على مستوى الشكل : نميز بين السكن المتفرق المنتظم ومن الامثلة على ذلك الذي ينتشر في الدوائر السقوية العصرية الذي خضع لتوزيع هندسي في إطار تجزيئات فلاحية وسكن متفرق غير منتظم المنتشر بشكل عشوائي دون تكثيف.
1-3- المراكز القروية :
تأخد تجمعات السكن الريفي في العديد من الاحيان احجاما وابعادا مجالية هامة خاصة من حيث الكثافة والشكل مما يجعلها ترتقي إلى مستوى مراكز قروية وبالفعل فإن العديد من الخرائط الطبوغرافية المغربية تحمل عناوينها من هذه المراكز التي تتميز بتصميم معين ومعمار ومواد بناء متطورة، وبوجود انشطة اقتصادية غير فلاحية، تجارية، إدارية وتجهيزات متنوعة كموقعها على طرق المواصلات او عند تقاطعها او بوجود سوق فلاحي اسبوعي او بقرار سياسي او إداري كإنشاء قرى نموذجية او لعوامل دينية ( وجود زوايا واضرحة ).
من جهة اخرى نشير إلى ان المعلومات التي تقدمها الخريطة الطبوغرافية بخصوص السكان هزيلة للغية وكل ما يمكن معرفته اسماء المجموعات البشرية التي تعيش في المجال الذي تقدمه الخريطة في إطار قبيلة أو فخد ( مجموعة عظام ملتحمة بحدود ترابية معينة ) او عظم ( أسرة ابوية كبيرة تشكل قرية او عدة قرى ). ويمكن كذلك ضبط امتداد الأفخاد انطلاقا من الإتجاه الذي تاخده الاسماء وتوزيعها بالنسبة للوحدات التضاريسية.
2- المجالات الفلاحية من خلال الخريطة الطبوغرافية :
2-1- العوامل المحددة لامتداد المجال الفلاحي :
يتحكم في امتداد المجال الفلاحي عوامل متعددة تاريخية واجتماعية وعقارية وسياسية واقتصادية وطبيعية كالتضاريس والتربة والمياه والمناخ والنبات.
وبينما يصعب ضبط العوامل البشرية من خلال الخريطة الطبوغرافية يسهل تحديد أثرالعوامل الطبيعية ، فمن خلال الخريطة يمكن استخراج أثر التضاريس على امتداد المجال الفلاحي فالزراعة تنتشر عادة في مناطق ذات انحدار ضعيف كالسهول والهضاب والاحواض وعند قدم الجبل غير ان هذا لا يعني غيابها فوق السفوح الوعرة حيث يتم التغلب على عنف الإنحدار بإقامة المدرجات ، وللمناخ تأثير واضح على امتداد المجال الفلاحي والمناطق التي تحظى بتساقطات كيفة تسمح مبدأيا بممارسة نشاط زراعي متنوع ويمكن استنباط المناخ السائد في المنطقة التي تمثلها خريطة ما بصفة تقريبية اعتمادا على خطوط العرض وعامل الإرتفاع ومن خلال معلومات اخرى كنوعية الغطاء النباتي وطبيعة الجريان ونوعية الزراعات الممارسة ووجود جريان دائم مؤشر على غزارة التساقطات وظروف مناخية رطبة، إن وجود جريان متنوع بين دائم وموسمي ومؤقت يشير إلى ظروف مناخية شبه جافة او جافة، وفي المناطق القاحلة وشبه القاحلة ( الجافة ) يتم التعويض على قلة التساقطات وتذبذبها باللجوء إلى الري بمياه السدود ومياه الانهار او المياه الجوفية وتساعد هذه التقنية على توسيع هام للمجالات الفلاحية ويتم الري بطريقة تقليدية قديمة كالناعورة – الخطارات – وبطريقة الفيض الناجم عن السيول او بطريقة عصرية بواسطة قنوات تسميلية محمولة او سطحية تحل محل المياه من السدود من الحقول وباستعمال آليات متطورة كالرش او الأذرع المحورية او طريقة التقطير او باللجوء إلى المضخات البنزينية في حالة استغلال الفرشة الباطنية أو بضخها من الانهار و يكون التمييز بين طرق الري التقليدية و العصرية من خلال الخريطة الطوبوغرافية أمرا ممكنا.
2-2- مكونات المجال الفلاحي من خلال الخريطة الطبغرافية :
تقدم الخريطة الطبوغرافية المجال الفلاحي في ثلاث حيزات رئيسية :
· حيز الزراعات الحولية او الموسمية : من حبوب وقطاني ومزروعات صناعية وعلفية كالخضروات وغيرها وباستثناء الخضروات والمزروعات التي يشار غليها برموز خاصة فإن الزراعات الاخرى تبقى بدون رموز يصعب استنباطها والتمييز بين انواعها من خلال الخريطة الطبغرافية، غير انه يمكن استخراج بعض أنواع المزروعات كالحبوب اعتمادا على مؤشرات محددة كالطبوغرافية المنبسطة وكثافات السكان او من خلال وجود مصطلحات محلية مثل البلاد Bled ، حرف la beur ، فدان Fedan ، أو وجود رموز خاصة لمطاحن الحبوب ¤ OX أو مخازن ( مطمورات )، كما يمكن التمييز من خلال الخريطة الطبوغرافية بين الزراعات الموسمية البورية المسقية مع تحديد وسائل الري المستعملة.
· حيز المغروسات والاشجار المثمرة : وقد سبقت الإشارة إلى طرق تمثيلها على الخريطة الطبوغرافية وتمارس في إطار تقليدي ( زيتون ، نخيل ) او في إطار عصري ( حوامض ، كروم ) ويقتضي تحليل الخريطة الطبوغرافية الإشارة إلى انواعها والمواضع التي تحتلها ومدى قربها من مصادر المياه.
· حيز الرعي والتدجين : لا يعطى للمراعي اي رمز محدد فوق الخريطة الطبوغرافية غير انه يمكن اعتبار المجالات التي تغطيها الغابات والاحراش مراعي ، ويمكن ان نضيف إليها المناطق التي تظل بيضاء فوق القمم والسفوح الوعرة ، ومن المؤشرات الاخرى على وجود الرعي وجود او توفر مناطق عشبية في قعور الاودية وقرب الضايات والمرجات وانتشار السياجات لمنع دخول القطيع إلى الحقول المزروعة، بالإضافة إلى وجود مصطلحات محلية لممارسة الرعي مثلا أزغار ( مرعى شتوي عند قدم الجبل ) ، تشتا ( ويدل على الغابات والاحراش )، حتى في غياب هذه المؤشرات فإن هذا لا يعني غياب نشاط تربية الماشية الذي يمكن ان يمارس في الحظائر اي التدجين المستقر، خاصة إذا توفرت بالخريطة مباني مستطيلة الشكل او بالإعتماد على الحصائب والمواد العلفية خاصة الأبقار.
2-3- نظام الإستغلال الزراعي من خلال الخريطة الطبوغرافية :
2-3-1- وسائل الإنتاج والمردودية :
يقصد بوسائل الإنتاج الفلاحي كل ما يجنده الفلاح من ارض ورأسمال ووسائل حرث و حصاد ودرس واسمدة ووسائل الري، اليد العاملة ووسائل تخزين المخزون ويحدد نوع هذه المسائل الدرجة الاقتصادية والاجتماعية للبلد ، وتتحكم بشكل كبير في الإنتاج و الإنتاجية و نعمد لاستخراج هذه الوسائل في الخريطة الطبغرافية على مؤشرات ،ففي مناطق الفلاحة البورية ذات التضاريس السهلية و الهضبية يساعد انبساط السطح على استعمال وسائل إنتاج عصرية في مختلف مراحل الإنتاج كالجرارات وآلات الحرث و الدرس و نقل المنتوج الذي يكون ذو إنتاجية متقطعة ( فلاحة مغلالة) ، كما هو الحال في معظم السهول كالغرب و الشاوية ودكالة والحوز وسايس وطرفة و ملوية السفلى و الهضاب الداخلية كذاك بالنسبة للمغرب.
أما إذا كانت التضاريس جبلية ووعرة فيتم اللجوء إلى وسائل الإنتاج التقليدية ويكون المردود ضعيفا ( فلاحة مقلالة ) غير انه يمكن أن يكون الغنتاج كثيفا ومتنوعا كما هو الحال على طول الاودية وعند اقدام الجبال وبالأحواض والمنخفضات أما في المناطق المروية يعتبر الري من الوسائل التي تساعد على الرفع من الإنتاج الزراعي ، وتنوع وسائل الري بشكل كبير سواء في المناطق التي تعتمد الري التقليدي او في دوائر عصرية و من المؤشرات التي تساعدنا على التمييز بين انواع الري وجود السدود وقنوات الري الهندسية والمضخات البنزينية ( بالنسبة للري العصري ) او يتعلق الامر بعيون وآبار ( بالنسبة للري التقليدي ) ومن خلال هذه المؤشرات وما يرافقها من تسميات ومصطلحات يمكن معرفة القطاعات المشرفة على الري ( الدولة ام الشركات ام الخواص ام الزوايا ام صغار الفلاحين ام مجموعة بشرية معينة ).
2-3-2- أنماط الإنتاج الفلاحي من خلال الخريطة الطبوغرافية :
تتضمن الخريطة الطبوغرافية معطيات ومؤشرات متنوعة تساعد على تحديد انواع أنماط الإنتاج الفلاحي السائد كطبيعة السكن ونوع الإنتاج الفلاحي وحجم المنتوجات وشكلها والتسميات المرافقة لبعض الحيازات، وعموما يمكن التمييز بين انماط الإنتاج الرئيسية الآتية :
- نمط الإنتاج القبلي : وهو نمط انتاج جماعي يعتمد على التضامن والتعبئة لأفراد القبيلة قصد التحكم في الظروف الطبيعية الوعرة كإقامة المدرجات وبناء قنوات الري وصيانة الخطارات وشق المسالك واجتثات مناطق تكسوها الاحراش بهدف توسيع المجال الفلاحي ... ، ويسود نمط الإنتاج على الخصوص بالمناطق الوعرة كالجبال وفي الواحات كذلك.
- نمط الإنتاج الرأسمالي : ويسود على الخصوص بالمناطق السهلية الغنية التي خضعت للتعمير الأوربي في فترة الحماية ولسياسة الإصلاح الزراعي بعد الإستقلال من مؤشرات على الخريطة وجود ضيعات ذات شكل هندسي تمتد على مساحات كبيرة نسبيا ومجهزة بقنوات ري هندسية وسكن متفرق ومنتظم.
- نمط النظام التعاوني : ويسود على الخصوص في المناطق التي شهدت تطبيق سياسة الإصلاح الزراعي بعد الإستقلال حيث نظم العديد من الفلاحين انفسهم في إطار تعاونيات خاصة في نطاقات سقوية حديثة والمسيرة من طرف مكاتب الإستثمار الفلاحي ORMIA. ومن المؤشرات التي تساعد على ضبط نمط إنتاج تعاوني وجود استغلاليات تخضع لتنظيم محكم وكثافة مسالك الطرق والسكن المتفرق.
- نمط الإنتاج القائدي : ويدل على وجوده بالخريطة الطبوغرافية بعض المصطلحات تذكر بالبنية الإقتصادية كالعزيب، دار القايض او أسماء مجالات ريفية و حضرية كبرى. وقد نجده كذلك على مستوى الزوايا والاعيان اللذين استفادوا في الماضي من الإقطاعات التي وهبها المخزن قصد استقطابهم.
2-4- تنظيم المجال الفلاحي من خلال الخريطة الطبوغرافية :
- تنظيم المجال الفلاحي على مستوى المشارة :
المشارة هي أبسط تقسيم للأرض الفلاحية المستغلة المخصصة لنوع معين من الزراعات او المغروسات ( مشارت القمح ، مشارت الكروم ... ) وبينما يسهل ضبط المجال الفلاحي يستحيل التعرف على حدود المشارات الزراعية الموسمية إلا إذا كانت مسيجة.
- تنظيم المجال الفلاحي على مستوى المحاط :
المحاط هو مجموعة الاراضي التي تملكها مجموعة بشرية ملكا شرعيا او عرفيا، ويستغلها ، ويتكون من مجموعة من الرساتيق المتنوعة ( الرستاق بقعة ارضية لها مؤهلات طبيعية معينة تستغل للزراعة او للري ) يستدل في الخريطة الطبوغرافية بتقسيمات معينة كرساتق الزراعة الحولية ( بلاد ، فدان ) ورساتيق الأشجار المثمرة والخضروات ( خضروات، جنان ، السانية ، البحيرة ، الغرسة ) ورساتق البقوليات ( البحيرة ، الولبة ) ورساتق خاصة بالرعي ( اكدال ، المروج ، تاﯕانت ، تيشكا ) ، ويقسم المحاط إلى حريث ( الجزء المستغل فعلا) وشيّم ( الأرض المحروثة ).
- تنظيم المجال الفلاحي على مستوى المشهد :
نميز بين المشهد الفلاحي الذي يخص المشارات الفلاحية الخاصة بإنتاج الحبوب والاشجار المثمرة والخضر والشكل العام الذي تتخذه في المجال والمشهد الزراعي الذي يتضمن بالإضافة إلى ذلك مظاهر اخرى كالمنشئات السكنية والغير السكنية من طرق ومساليك وقنوات الري وسياجات، وأخيرا المشهد الريفي الذي هو انعكاس لتدخل الإنسان في المجال في جميع تمظهراته.
وبخصوص المشهد الفلاحي نميز بين الانواع الآتية :
· المشهد الفلاحي المفتوح : وينتشر على الخصوص في السهول والهضاب ويكون عبارة عن مشارات خاصة بالفلاحة الموسمية كما يشمل المغارس.
· المشهد الفلاحي المغلق : ويتضمن مشارات مسيجة تأوي فلاحات موسمية أو شجرية ويكون السياج نباتيا حيا او مكونا من بقايا الأشجار او عبارة عن اسلاك أو أسوار قصيرة من الحجارة ، ويكون الهدف من إقامة السياج تاكيد الملكية او منع دخول المواشي أو الحد وطئت الرياح.
· المشهد الفلاحي المزدوج : ويمج بين المشهد الفلاحي المفتوح والمغلق.
· المشهد الفلاحي المتدرج : وينتشر فوق السفوح الوعرة حين يعمد السكان إلى إقامة المدرجات للتغلب على عنف الإنحدار والحيلولة دون انجراف التربة .
· المشهد الفلاحي ذو الزراعات المختلطة : ويجمع بين مشارات الزراعات الموسمية والزراعات الشجرية وينتشر على الخصوص في اجزاء واسعة من جبال الريف كما يعرف اتساع حقيقيا في المناطق السقوية الحديثة ( في إطار تجزئات فلاحية ) او تقليدية.
3- المجالات الحضرية:
تقدم بعض الخرائط الطبوغرافية مجالات حضرية متنوعة ومراكز تختلف من حيث الاهمية من خريطة لأخرى وبشكل عام فإن المعلومات التي تقدمها هذه الوثيقة بخصوص المجال الحضري معلومات هامة ومحدودة جدا لا تسمح بالقيام بتحليل دقيق وشامل لهذا المجال وذلك راجع إلى المقاييس التي انجزت فيها الخريطة الطبوغرافية والتي لا تسمح بتمثيل معطيات دقيقة للمدينة. ونظرا كذلك لما تتصف به رموز ممثلة للمجال الحضري من تبسيط وتعميم.
وبالنظر إلى هذه الصعوبات فإن العناصر التي يمكن تناولها من خلال الخريطة الطبوغرافية تقتصر على معاينة الموقع والموضع والشكل العام الذي يتخذه تصميم المدينة ، اما بنية النسيج الحضري واستعمال الارض والأنشطة فلا يمكن معالجتها بشكل تفصيلي إلا من خلال التصاميم الحضرية والصور الجوية ووثائق أخرى.