لا يمكن أن نتغافل دور الماء فى التنمية العربية المنشودة، فهو أحد رهاناتها المستقبلية، لكن الوضع الحالى ينذر بكثير من الأخطار إن لم يكن مبعثا على القلق الشديد. إذ أن أغلب الدول العربية في سنة 2025 باستثناء العراق والسودان ستقع فى دائرة التصنيف الدولية التى ستعانى من ندرة الماء " 1000 متر مكعب سنويا للشخص"، بالإضافة إلى أن ثلث منها سينزل إلى مستوى 500 متر مكعب سنويا للشخص، وهو سقف كارثى بكل المعاني.
لذلك لا مناص من مراجعة العديد من البرامج الاشقتصادية ومخططات التنمية الحالية فى العديد من القطاعات "الفلاحة والسياحة..."، لأن أى مشكلة فى الماء ستنعكس على الأمن الغذائي، وبالتالى على الاستقرار السياسى والاجتماعي..
على ضوء ما تقدم من أرقام فى المدخل، يصبح موضوع الماء رهانا سياسيا واقتصاديا بامتياز، بحيث يقتضى توفيره كما تدبيره التنسيق بين العديد من المستويات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية والبيئية فى المغرب العربي. ناهيك أن التغيرات المناخية والحاجات المتزايدة فى تغذية شعوبه بالقياس إلى ارتفاع النمو الديموغرافى وتحسُّن مستواهم المعيشى بالتدريج، سيجعل من الماء لا محالة تحديا كبيرا يجب رفع مشكلة النقص فى كمياته منذ التسعينات، بالقياس إلى الحاجيات المتعاظمة وقلة موارده أو محدوديتها. لذا، هل تعتبر مشكلة قلة الماء فى المغرب العربى سببا فى اندلاع توترات نحن فى غنى عنها؟
وما هى انعكاساتها على التنمية؟ ناهيك أن الدراسات المناخية تضع منطقتنا بين المناطق التى ستعانى شحا كبيرا فى موارد هذه المادة الحيوية غير القابلة للتعويض. وبالتالى يرتفع خطر الحاجة إلى الخارج فى مجال التغذية وتوفير لقمة العيش؟ أسئلة نعرض رهاناتها بتفصيل بالنسبة لبلدان المغرب العربي.
وبالطبع إن واقع الأرقام الحالى عالميا، يؤكد أن الخطر الفعلى فى توفير الماء يبدأ فعليا مع توفر أقل من 1700 متر مكعب سنويا وبالنسبة للشخص الواحد، وهو وضع لا يحسد عليه فى أكثر من 80 دولة " إحصاء 1995"، لكن الأخطر يبدأ مع العد العكسى إن وصل الأمر إلى 1000 متر مكعب "= 2740 لتر يوميا"، حيث تتعمم الندرة ويعم القحط ويستفحل العطش، وهو الحال الذى سيصيب أكثر من 60 دولة سنة 2025. ومن ثم يفرض علينا الواجب التنبيه بأن المغرب والجزائر وليبيا وسوريا والأردن ومصر وتونس توجد مع الأسف فى هذه اللائحة. علاوة أن حالة الندرة المطلقة سيصيب فى مقتل بعض مناطق الأردن، العربية السعودية وجنوب الجزائر... بعد أن ينزل سقف التساقطات فيها إلى اقل من 500 ملم مكعب.
ذلك أن هذا التقدير لم يعتمد جزافا، بل هو مقياس علمى اهتدت إليه الأبحاث الهيدرومائية عبر ما أصبح يعرف بـ :مؤشر القلق المائي" "water stress" كغيره من مؤشرات القياس العالمية المعتمدة " مؤشر التغطية، مؤشر النمو،..."، إذ حددت صاحبته الفيزيائية السويدية "Malin Falkenmark" حالة الإنذار فى انخفاض المتوفر من الماء تحت سقف 1700 متر مكعب بالنسبة لكل شخص سنويا، أما حالة الندرة والخصاص "water scarcity" تكمن فى انخفاض المتوفر من الماء تحت سقف 1000 متر مكعب سنويا "2740 لتر يوميا" بالنسبة للشخص الواحد.
الجغرافية أقوى من السياسة
تشير المعطيات الجغرافية أن منطقتى المغرب والمشرق العربى تقعان بين خط 36 درجة شمال الحدود السورية التركية وخط 12 جنوب الساحل الجنوبى من شبه الجزيرة العربية. هذا بالإضافة أن حوض البحر الأبيض المتوسط يتداخل بقوة مع السواحل الشرقية، مما يسمح بتسرب كثير من الضغوطات الجوية الغربية. وبالتالى إن هذه المنطقة الجغرافية التى تبلغ 14 مليون كلم²، لا تخضع لنظام مناخى متشابه، بل هى حلقة وصل بين منطقتين: المنطقة الاستوائية وشبه الاستوائية المعروفة بوجود ضغوط عالية مستقرة من ناحية، كما تقع من ناحية أخرى فى المنطقة المتوسطية التى تتميز بمناخ معتدل يتميز بحركة ضغط رياح غرب شرقية بطريقة دورية.
بإيجاز شديد، تفرض هذه المعطيات الجغرافية القول بأن التساقطات المطرية تخضع فى مجملها للمناخ المتوسطي. فهى إن كانت تحدث فى فصول الخريف والشتاء، يبقى أن توزيعها يختلف من منطقة إلى أخرى وتتحكم فيه ثلاثة عوامل: خطوط العرض وتضاريس المنطقة وجملة من العوامل القارية "ناجمة عن ميزات مناخية متولدة من ضعف التأثيرات البحرية". فالتساقطات كثيرة بالقرب من الساحل، لكنها ضعيفة كل ما اتجهنا نحو الجنوب أو اتجهنا نحو شرق الشرق الأوسط.
والظاهر أن السمة العامة تتمثل فى أن مدة الصيف طويلة، فهى تستغرق ما بين 3 إلى 5 أشهر، لكنها تتجاوز 6 شهور كلما ابتعدنا عن الساحل: 5 شهور فى بيروت، 6 شهور فى الموصل العراقي، 8 شهور فى دمشق وأحيانا تصل 10 شهور فى بغداد.
مؤدى هذه الملاحظات المناخية والجغرافية أن نستنتج بأن التساقطات المطرية ضعيفة عموما، حيث لا تفوق فى معدلها السنوى 600 ملم فى المناطق الجنوبية من حوض البحر الأبيض المتوسط، لكن يمكن فى حالات استثنائية أن تفوق هذه التساقطات 1000 ملم فى بعض المناطق المتاخمة للساحل الشمالى من بلدان المغرب العربي. منه مثلا ما نشهده من كم التساقطات فى منطقة الريف " شمال المغرب" حيث تفوق 1000ملم فى جبال الريف " وتصل أحيانا 1700ملم فى قممه أو قمم جبال الأطلس العالية"، بحيث تبلغ أحيانا فى بعض قمم الأطلس المتوسط والعالى وأطلس شرق الجزائر 1352 ملم فى مدينة يكورن التى تقع فى منطقة القبائل و1773 ملم فى إدوغ الجزائريتين. وهو ما يوازيه فى لبنان وسوريا " جبل لبنان وجبل أنصاريا..".
واقع الأرقام
بيد أن هذه المناطق الرطبة قليلة، بخلاف كونها تمثل أقل من 7 بالمائة من المساحة فى بلد مترامى الأطراف كالجزائر، إذ لا تحصل ربع الأراضى الجزائرية الصالحة للزراعة على أقل من 600 ملم سنويا، مما يمثل 1 بالمائة من مجموع التراب الوطني، أما المنطقة التى تستقبل ما بين 400-600 ملم فحظها ليس أوسع من مساحة المنطقة المذكورة.
ومن ثم يتخذ الماء فى الجزائر طبيعة استراتيجية بالقياس إلى ندرته ودورة التساقطات المتقلبة والمختلة، ناهيك أن المياه الجوفية أو الموجودة على السطح تبقى مواردها محدودة، حيث أن المشاكل الديموغرافية وتوزيع الساكنة على التراب الوطنى " أكثر من 60 بالمائة من السكان يقطنون بالجهة الشمالية، هذا فى الوقت الذى لا تشكل فيه هذه المنطقة إلا عشرة بالمائة من مجموع التراب الوطني"، يفرض جهودا جبارة فى تدبير احتياجات المجال الحضرى واتخاذ إجراءات صارمة فى استعمال الاحتياطات، إن رغبت الجزائر تحقيق تلبية حاجياتها فى أفق سنة 2012. ناهيك عن وجود ضعف فى التعبئة وسوء المعالجة بفعل نقص محطات التطهير وتلوث المجمع منها.
بلغة الأرقام الصعبة ثمة محددات طبيعية وكيفية توزيع الساكنة تلعب دورا كبيرا فى إشكالية الماء فى الجزائر، فمن جهة إن منطقة الشمال الغنية بالتساقطات المطرية نسبيا، تمثل 7 بالمئة من مجموع التراب الجزائرى الواسع، أى 166.721 كلم² ، تحظى فيه بنسبة 92 بالمائة من التدفقات المطرية.
هذا مع العلم أن الجزء الخاص بالتساقطات المطرية المهمة والتى تفوق 700 ملم/ سنويا يخص فقط 30.10 كلم مربع أى بنسبة 7 بالمائة من الأحواض المائية، كما أن هناك11 حوض مائى "إحصاء 1994 " فى شمال الجزائر تغطى 130.000 ألف كلم². ومن جهة أخرى تتركز نسبة 60 بالمائة من السكان فى هذه المنطقة " المصدر: المكتب الوطنى للإحصاء، 1994".
والواقع أنه يمكن تعميم هذه الحالة فى مجموع الدول العربية، باستثناء مناطق فى المغرب أو الجهة الجنوبية من السودان التى تستقبل تساقطات مطرية مهمة، وهى ناجمة بالأساس عن المناخ الاستوائى فى الحالة الثانية. لذلك إن ما نشهده فى الغالب الأعم من كم التساقطات، أنها تتراوح بين 100 و400 ملم تشمل كل من الهلال الخصيب والساحل الليبى والهضاب العليا المغاربية، بينما هناك مساحات صحراوية شاسعة تستقبل أقل من 100 ملم.
أضف إلى ذلك أن الصحراء فى المغرب العربى قريبة جدا من الساحل المتوسطي، فهى لا تبعد أكثر من 400 كلم فى حالة الجزائر، بينما فى أحيان كثيرة هى ملتصقة بالساحل كما فى حالة ليبيا ومصر.
وبالتالى أنه إذا استثنينا حالة لبنان، فجميع الدول العربية تضم داخل حدودها نسبة عالية من الأراضى الصحراوية، حيث تمتد إلى حوالى 700.000 ألف كلم² ، أى نصف المساحة الإجمالية من عموم البلدان العربية، منه أن مدينة الكويت لا تستقبل أكثر من 111 ملم من التساقطات سنويا، بينما فى الرياض تصل بالكاد إلى 82 ملم، وفى مدينة جدة 25ملم، بينما فى عدن تهبط إلى 39 ملم. ناهيك أنها فى القاهرة لا تتعدى 22 ملم، وتبلغ فى مدينة توغورت فى الجزائر 60 ملم.
ناهيك أن هذه التساقطات المطرية غير منتظمة، مما يعنى أن حجم الكميات التى يمكن أن نراهن عليها سنويا هى أقل من 10 بالمائة فى المتوسط العام، بينما فى حالة أمريكا الشمالية تتراوح بين 60 و 80 بالمائة شرقا، وتقدر ب%30 بالمائة غربا.
الأمر الذى يؤثر مما لاشك فيه على مواعيد الموسم الفلاحي، بحيث أن سقوط ما بين 250 ملم إلى 350 ملم يجعل ممكنا بكثير من الحظ بعض زراعات القطانى الجافة، لكن دون هذه الكمية ليس هناك مفر من اللجوء إلى الرى والسقي. وبناء على ما تقدم نرى من الضرورى الإشارة إلى واقع الأرقام الحالية والمستقبلية فى كميات المياه العذبة " المتوفرة سنويا وبمقياس متر مكعب للفرد الواحد سنويا" حتى يتبين حقيقة الخطر الذى يهدد العديد من الدول العربية منذ عدة سنوات من الرصد والملاحظة:
- الجزائر:1691 م³ سنة 1950، 750 م³ سنة 1990، 527 م³ سنة 1995، 313 م³ سنة 2025.
- تونس: 1105 م³ سنة 1950، 530 م³سنة 1990، 434 م³ سنة 1995، 288 م³ سنة 2025.
- ليبيا: 583 م³ سنة 1950، 160 م³ سنة 1990، 111 م³ سنة 1995، 47 م³ سنة 2025.
وبإيجاز شديد، يلاحظ أنه فى حالة المغرب ستهبط إلى 750 م³ سنة 2025 ، وفى مصر إلى 607 م³ سنة 2025 ، العربية السعودية: 107 م³ سنة 2025، اليمن: 131 م³ سنة 2025، الأردن: 144 م³ سنة 2025، الكويت:55 م³ سنة 2025، إيران:916 م³ سنة 2025، الصومال:570 م³ سنة 2025. فلسطين:270 م³ سنة 2025. " المصدر: "Bilan du Monde2004.
الوضع الجيومائى المغاربى فى خدمة الوحدة
من النادر فى العالم العربى أن يطرح موضوع الماء نفسه بمعزل عن التجاذبات السياسية والجيوسياسية الموروثة عن الحقبة الاستعمارية، إذ أن الأمر جد معقد فى حالة كل من دجلة والفرات والنيل ونهر الأردن والليطاني... بحكم الرهانات الجيوسياسية والمصالح المحيطة بها. إلا أن الوضع فى المغرب العربى يتميز عن ذلك مطلقا، بحيث ثمة مشاكل مرتبطة فى قلة التساقطات، لكن توزيع الماء يظل محصورا فى نطاق كل دولة على حدة. إذ ليس ثمة نهر يتوزع بين بلدانه أو يخترق حدودها، مما يجعل حدوث صراع على اقتسام موارده ممكنا. لكن هذه المزية توجد بجوارها بلية تفيد بأنه ليس بإمكان أى بلد بمفرده أن يواجه قلة التساقطات المطرية وازدياد الجفاف والتصحر وتوفير حاجياته الغذائية بإمكانياته الخاصة فحسب. وبالتالى إن غياب موارد مالية كبرى على عكس حال دول الخليج، يصبح التعاون فى الأمن المائى والغذائى بين بلدانه أمر يفرضه منطق المصالح المشتركة.
إجمالا فى المعدل العام تقدر موارد المياه العذبة فى المغرب العربى ب53 مليار متر مكعب " المغرب، الجزائر، تونس"، مما يجعلها فى صف الدول التى لا تتوفر على احتياطات مهمة كما أسلفنا، إن لم يكن أقل من 1000 متر مكعب، وهو وضع يجعلها فى خانة الدول التى ستعانى من قلة الماء لا محالة، بحيث لا تفوق الكمية 793 متر مكعب للشخص سنويا، بينما نعيد التذكير بأن المؤشر الدولى يحدد أن الاكتفاء يجب أن لا يقل على 1700 متر مكعب سنويا للشخص. وبالتالى إن هذا الرقم يصنف كل من دوله الخمسة فى خانة الدول التى ستعانى من خصاص مهول فى الماء، لاسيما أن الأرقام المستقبلية تشير أن سكانه سيصلون فى أفق 2025 أكثر من 100 مليون نسمة. هذا فى الوقت الذى سيتراجع معدل المياه العذبة إلى 538 متر مكعب سنويا للشخص.
ناهيك أن هذا الرقم يبقى مفرطا فى التفاؤل بالقياس إلى تباين التساقطات بين مناطق المغرب العربي، فالاختلاف شاسع بين مناطق الأطلس المغربية وباقى المناطق الأخرى.
والحال أن المغرب يتميز نسبيا فى هذه النقطة، بخاصة أن يتوفر على 30.000 مليار متر مكعب، مما يجعله الأوفر حظا، حيث يبلغ المعدل العام أكثر من 1064 متر مكعب سنويا للشخص بسبب التساقطات المطرية التى تأتيه من المحيط الأطلسي. لكن يبقى أن المتوتر منها على المدى الطويل لا يفوق النصف " 16،5 مليار متر مكعب"، ومن ثم إن القلق يكمن فى أرقام التخمينات المستقبلية التى تنذر بأن تنحصر فى 12،5 مليار متر مكعب.
وهو أمر يقلل من هامش المناورة لديه ما دام بأنه فى حاجة إلى ثلاثة أرباعها حاليا. وبالعودة إلى حالة للجزائر نجد أن اغلب التساقطات تأتيه من جهة حوض البحر الأبيض المتوسط وما يسحبه من الأحواض الجوفية.، لكن إمكانيتها ضعيفة وتنحصر فى 19 مليار متر مكعب، أى حوالى 638 متر مكعب سنويا للشخص الواحد. بالإضافة ثمة تباين شديد بين الغرب ـ الغنى بالأحواض والمياه الجوفية، بينما تقل فيه التساقطات ـ والشرق الذى تسيل فيه أغلب الأنهار " الرحومل "910 مليون متر مكعب"، الصومام "700" وبعض الوديان الصغيرة فى قسنطينة "910 مليون متر مكعب وإيسر "520".
فوحده نهر شلف يتميز بصبيب عال فى الغرب "1540 مليون متر مكعب".لذا ثمة نقص كبير فى الغرب الجزائرى ، كما لا ننسى ضياع كميات كبيرة منه فى الشرق. علاوة على سمة عامة يتميز بها الوضع الهيدرومائى الجزائرى تكمن فى انخفاض نسبى فى الكميات المسحوبة بالنسبة للحجم المتواتر من التساقطات نظرا للتأخير الحاصل فى إمكانية تعبئة جميع موارد الجزائر المائية. أما الوضع فى تونس فأن إمكانياتها أقل حجما مما عليه عند جاريه الشقيقين، فهى لا تتعدى 468 مترا مكعبا سنويا للشخص. هذا على الرغم من أن البلد قام بمجهود جبار فى تقنين جميع الموارد المائية، الجوفية منها كما السطحية، لكن ما يلاحظ أن نسبة السحب وصلت 88 بالمائة منها. الأمر الذى يعنى أن هامش المناورة لديها جد ضيق فى المستقبل.
والحال أن نسبة حجم الموارد المائية الجوفية تقارب حجم المياه السطحية، حيث يلاحظ أن 80 بالمائة من المياه السطحية تقع فى الهضاب الجبلية الشمالية الغربية، بينما 91 بالمائة من الحاجيات تتمركز فى الشريط الساحلى حيث تتجمع المدن والمناطق الصناعية والنشاط السياحي. لذا كان لا بد من نقل كميات كبيرة من واد مدجردة "1000 مليون متر مكعب" ومن الوديان الساحلية فى الشمال "550 مليون متر مكعب" أو من إيشكول "265 مليون متر مكعب". بخلاف الاستهلاك الكبير من المياه الجوفية المتواجدة بكثرة فى الشمال ووسط البلاد، حيث تقدر كميات السحب 700 مليون متر مكعب. وهو ما يؤكد أن الاحتياطات فى المياه العميقة تقع فى الجنوب لكن الطلب عليها قليل، بالقياس إلى مياه الشمال الجوفية "59 بالمائة من الإمكانيات معبآة"، لكن عملية نزْح المياه تتطلب تقنيات حفر معقدة وباهظة التكاليف.
إجمالا، إن البلدان الثلاثة تتوفر على كميات متفاوتة الأهمية تتخللها مستويات الحصول عليه بطريقة متباينة، يمكن إيجازها فى ما يلي: ضعف الإمكانية الهيدرومائية، عدم انتظام التساقطات الموسمية أو بين السنوية، سوء توزيع بين الجهات، تكاليف باهضة لاستخراج المياه العميقة. مما يجعل منها أهم المعيقات التى تتطلب من بلدان المغرب العربى رفعها. بيد إن الوضع قلق للغاية بالقياس إلى الحاجيات المتزايدة على الماء، هذا فى الوقت الذى تدرك دوله جميعا بأن تحقيق الأمن الغذائى يتطلب بالضرورة توسيع مساحات الأراضى المسقية، علاوة على ارتفاع الاستهلاك فى المناطق الحضرية بشكل صاروخي.
والتحدى الذى يواجهه المغرب العربى فى الأمن الغذائى ناجم عن تنامى العامل الديموغرافى بنسبة تتراوح ما بين 2،8 بالمائة إلى 3 بالمائة سنويا، مما يعنى فى علم الإحصاء أن عدد السكان سيكون ضعف ما هو عليه اليوم سنة 2025. إذ أن التحسن فى مستوى معيشة السكان منذ الاستقلال ساهم إلى حد كبير فى ارتفاع نسبة المواليد، بحيث إذا كان الناتج المحلى الخام للبلدان المغربية غداة الاستقلال يتراوح بين 3 إلى 400 دولار، فإنه ارتفع اليوم إلى ما بين 1000 و2300 دولار.
لكن ما نود الإشارة إليه أن هذه البلدان ما زالت تشترك جميعا فى مستوى معيشى منخفض، بحيث تشكل النفقات الغذائية ما بين 40 إلى 50 بالمائة من نفقات الميزانيات العائلية أو أكثر. لذا إن أى ارتفاع فى الدخل يترجم بطريقة فورية فى تحسين مستوى الغذاء عائليا. وهو ما نشهده من خلال ارتفاع نسبة السعرات الحرارية من 2200 وحدة حرارية إلى أكثر من 3000 وحدة حرارية حاليا. ومن ثم إن الطلب على الغذاء كما وكيفا يرتفع بوتيرة متصاعدة وأكثر حدة من النمو الديموغرافى الذى يظل هو الآخر مرتفعا.
هذا فى الوقت الذى نشهد فيه تغييرا فى العادات الغذائية داخل المدارات الحضرية المتنامية، فالإقبال على المواد الغذائية التجارية يتزايد، بحيث غير سكان المدن الكثير من عاداتهم الغذائية باستهلاكهم مواد جديدة، حيث تركت البورجوازية الصغيرة والمتوسطة نماذج الاستهلاك التقليدية واقتربت كثيرا من النماذج الغربية "هلاليات الفطور فى الصبح، خبز بالشكولاتة، الخبز الناعم... استهلاك اللحم والخضر والفواكه والمشروبات الغازية تتزايد".
الأمر الذى لا يجعل الطلب يرتفع فحسب، بل يتنوع كما وكيفا. غِب هذه التحولات الديموغرافية والاستهلاكية، ما تزال قدرات الإنتاج الفلاحى المغاربية أبعد من أن تستجيب للطلب المتزايد أو تحقق اكتفاء ذاتيا. ذلك أنها أبعد من تحقيقه بكثير، منه أن إنتاج الحبوب المصدر الغذائى الأساسى فى حياة ساكنة البلدان المغاربية انتقل من 6 ملايين طن "فى مرحلة 61-65" إلى 9 ملايين طن فى مرحلة "1991-1995"، أى بنسبة نمو تصل إلى 1،56 بالكاد، بينما تزايد عدد سكانه ثلاثة مرات! ومن ثم لجأت جميع دول المغرب العربى مكرهة ومنذ سنوات طويلة إلى استيراد المواد الغذائية الأساسية التى لا يمكن لها التحكم فيها بتاتا.
إذ أن حجم الأطنان المستوردة تضاعفت ستة مرات خلال خمسة وثلاثين سنة، بخاصة فى استيراد الحبوب الذى فاق حجمه تسعة مرات عما كان عليه فى الماضي. بالإضافة، لا يخفى أن ثمن طن من القمح فى سنوات الستينات ارتفع ثمنه ثلاثة مرات حاليا أو أكثر . الأمر الذى يخول حق القول بأن دول المغرب العربى تستورد من الحبوب أكثر مما تنتج، مما نخمن معه تباعا الخلل الحاصل فى الميزان التجارى عندما تمثل المواد الغذائية الأساسية نسبة قد تصل إلى 30 بالمائة من الواردات بصفة إجمالية.
والحقيقة أن الجزائر توجد فى وضعية صعبة للغاية، إن يستورد البلد نسبة 70 بالمائة من حاجياته الغذائية الأساسية! هذا فى الوقت الذى تشير فيه جميع المؤشرات بأن الطلب على المواد الغذائية الأساسية مرشح للارتفاع من جديد، كما أن الارتفاع الذى تعرفه السوق الدولية فى مواد أساسية كالحبوب والحليب والسكر تنذر بقلاقل اجتماعية خطيرة. والواقع أن كل التوقعات فى دائرة اللون الأحمر، ما يدفعنا إلى قرع أجراس الخطر من مغبة حدوث ما لا يحمد عقباه: إذ ارتفع الطلب على الحبوب فى حالة الجزائر من 4 مليون طن ونصف تقريبا فى سنة 1985 إلى أكثر من 7 ملايين سنة 2000، ومن المتوقع أن يصل الطلب إلى 11 مليون ونصف سنة 2025. أما فى المغرب ازداد الطلب على الحليب من 796.000 ألف طن إلى مليون و 184.000 طن سنة 2000 ومن المرجح أن يصل إلى مليونين طن سنة 2025. علاوة أن الطلب على السكر فى تونس ارتفع من 186.000 طن إلى 251.000 طن وسيصل إلى 351.000 طن.
لذا فإن رفع تحديات الأمن الغذائى تتطلب قدرات وإمكانيات تفوق قدرة كل بلد على حدة، وما لم تقتنع النخب المغاربية الحاكمة بأن الخروج من نفق أزمة الأمن الغذائى المعلنة سنة 2025 ـ بوضوح لا يقبل الجدل فى جميع بلدانها دون استثناء ـ يتطلب تكاملا أو اندماجا بين قدراتها. وعكس ذلك لن تستطيع رفع هذا التحدى مهما كانت العزيمة الوطنية فى أى بلد. ومن الملاحظ أن الحكومات وعيا منها فى السابق بهذه الخطورة، حاولت اللجوء إلى الرفع من مساحات الأراضى المسقية على حساب الأراضى البورية، أملا منها فى تحسين معدل المردودية فى الهكتار الواحد والزيادة فى فرص العمل. لكن هذا الحل على الرغم من فوائده ومزاياه العديدة التى لا يمكن إنكارها، فإنه حاليا وصل إلى الباب المسدود. إذ أن التقنية المعتمدة فى حينه كانت تتمحور على إنشاء سدود – خزّانات مائية وضعت على عاتقها سقى الأراضى المستصلحة. غير أن محدودية وعدم انتظام التساقطات يبقى منسوب المياه التى يمكن حصرها فى السدود صغيرا، وهو أمر لم يثبت نجاعة كبيرة إذا استثنينا وضع المغرب الذى تلعب فيه السدود دورا رائدا.
وتجدر الإشارة إلى الآفاق الواعدة التى يفتحها مشروع النهر الصناعى فى ليبيا، وهو يحاول رفع تحدى المناخ والبيئة الصحراوية المترامية الأطراف، حيث كان الرهان فى البداية على خلق قطاع فلاحى وسط الصحراء يتم سقى مساحات أراضيه المستصلحة عبر المياه الجوفية. وإذا كان من المتعذر فى الوقت الحالى استعمال المياه الجوفية فى عين المكان، لجأت ليبيا إلى سحب مياه الصحراء إلى الساحل رغبة منها فى إنعاش القطاع الفلاحى على الساحل الليبى وإمداد مدنه بالماء الصالح للشرب.
ومن ثم فإن التحديات التى كان على النهر الصناعى رفعها، هى بحجم العنقاء. إذ أن ضخامة التكاليف المرصودة قياسية بكل معانى الكلمة "30 مليار دولار"، إذ وضعت ليبيا لبنات بناء النهر الصناعى بالتدريج "منذ سنة 1983"، وهى حاليا فى طور المراحل الأخيرة من البناء، حيث تنقل مياه الصحراء الجوفية عبر 4000 كلم من القنوات الممتدة تحت الأرض، وتحمل أكثر من مليارين متر مكعب من الماء.
والجدير بالذكر أن قنوات عملاقة امتدت من أحواض سرير وكفرة وتزرزو نحو خزان أجدبية الضخم، كما تم إيصال ماء الأحواض إلى كل من مدينة بنغازي، سرت وبريغة وطرابلس، كما أن هناك مجهودا متواصلا فى الجزء الثانى من المشروع يمكن من وصل بين فزان وطرابلس "1000 كلم". حيث من المنتظر فى النهاية سد حاجيات المدن، كما سقى 250.000 ألف هكتار فى مناطق بنغازى وسرت وجفارة، مما يعيد الحيوية إلى المناطق الفلاحية التى أنهكها المعمرون الإيطاليون، بخلاف سقى مناطق جديدة تصل إلى 180.000 هكتار منها.
وهو ما سينعش بحق القطاع الفلاحى الليبى من دون شك، حيث ليس هناك من مشروع يضاهى هذا المشروع فى العالم العربى قاطبة، غير محاولة السعودية استصلاح أراضى صحراوية فى محاولة تحقيق أمنها الغذائى من الحبوب. إجمالا، يبقى أن نشير الى أنه على الرغم من الفوائد المنتظرة والكبيرة من هذا المشروع، فإن 70 بالمائة من المياه المستعملة فى ليبيا مواردها غير مجددة، ناهيك أن تكلفة جلب الماء من الأحواض الجوفية الصحراوية مرتفع نسبيا " ما بين 1 دولار إلى 1،3 دولار للمتر المكعب". لكن رفع تحديات ليبيا الغذائية وعدم الاقتصار على الخارج، يبقى الهدف الأول من هذا الاستثمار الكبير، بالقياس إلى مدة حياته الممكنة " مائة سنة تقريبا".
الحلول والبدائل
وإذا كانت هذه الأرقام تؤكد بما لا يدع مكانا للشك أن المغرب العربى يعيش حالة من "القلق المائي" مع بعض الاختلافات الطفيفة، بالقياس إلى معدل قوى فى النمو الديموغرافى والتحسن المتصاعد فى مستوى معيشة المواطنين نسبيا، فإن وضع الجزائر وتونس صعب عما هو عليه الحال فى المغرب، ما لم تتخذ المزيد الإجراءات الوقائية لحماية الثروات المتاحة وتوفير بدائل. إجمالا، يجب مراجعة السياسات الاقتصادية التى لم تدخل فى حساباتها قضية الماء " بخاصة فى الجزائر"، أو تلك التى جعلت من الماء عنصرا فى تنويع مصادر الاقتصاد الوطني، لكن دون الانتباه إلى تداعيات استهلاك قصوى كما حدث فى المغرب من استغلال كبير فى الماء فى فلاحة التصدير "الحوامض..."، أو ما يفرضه متطلبات استهلاك القطاع السياحى المرتفعة. وكلاهما يستهلكان كميات جد كبيرة من مخزون المياه الحلوة.
- أولى الإجراءات تتمثل فى اتخاذ سلسلة من الإجراءات والتدابير المستعجلة، لأنها من حسن الحظ متوفرة وتتطلب فقط إرادة سياسية صلبة تهدف إلى تقليص كميات لا باس بها من التبذير الحاصل " نسبة الضائع من المياه فى القنوات تصل 35 بالمائة فى المغرب و30 بالمائة فى تونس، أما الوضع فى الجزائر فهو جد كارثى للأسف الشديد...".
- ثانيا إعادة توجيه الاقتصاد الوطنى نحو قطاعات مقتصدة فى الماء ـ وأقل تلويثا ـ عما هو عليه الأمر فى قطاعى الفلاحة والسياحة " المغرب وتونس" أو قطاع البيتروكيماويات " الجزائر وليبيا". والواقع أن حالة القلق الهيدرومائية المشتركة تفرض على جميع البلدان المغاربية بدون استثناء، التعاون من أجل توفير تكاليف ومضاعفات مواجهة الخصاص الذى بدا يلوح فى الأفق، ناهيك عن الرفع من الإمكانيات المائية المتوفرة ـ أو على الأقل الحفاظ على المعدلات الحالية فى أفق 2025 – كما تحسين استعماله وترشيده بالنسبة لعموم السكان. وإذا أخذنا بعين الاعتبار العديد من الدراسات الجيولوجية فى مجلات متخصصة ك: "Revue des sciences de l’eau, N°3-4, 2003" و"Horizons maghrébins, N°53,2005" أو "International Water Journal, N°4-2007" ثم "Les Cahiers de l’orient, N°44,1996"، يتضح بأنه إذا أردنا تحقيق كفاية مائية تتناسب مع ارتفاع وتيرة النشاط الفلاحى والصناعى وحاجيات السكان المنزلية فى عموم بلدان المغرب العربي، تفيد أن المغرب وتونس والجزائر وليبيا فى أقصى الحالات، يمكنهم بسهولة تخصيص اعتمادات مالية لا تتجاوز مليار 500 مليون يورو، لكى يتم ضمان توفير ما بين 500-600 متر مكعب سنويا للشخص فى كل من الجزائر وتونس، وما بين 700-800 ملم مكعب فى حالة المغرب، أما فى ليبيا يمكن أن تصل إلى 250-350 ملم مكعب. وهو أمر لا يمكن أن تحلم به بلدان المغرب العربى فى أفق سنة 2025 إذا استمر الوضع كما هو عليه الحال. ومن المفيد القول بأنه من السهل جدا فى حالة المغرب وتونس بعامة، وليبيا والجزائر "بفضل العائدات النفطية" بخاصة، أن يوفروا معا المبلغ الضرورى لكى يتم تلبية حاجيات شعوبها من الماء الصالح للشرب.
ناهيك أن وضع الجزائر تتميز خطورته أكثر من غيره "بالقياس إلى مجهود ليبيا فى النهر الصناعى العظيم ، وبالقياس إلى تخصيص المغرب مبلغ 100 مليون يورو من ميزانيته العامة من أجل ضمان 750 متر مكعب سنويا لأى مواطن فى أفق سنة 2020، كما محاولة بحثه عن 200 مليون يورو أخرى سنويا وإلى غاية 2020" من أجل تلبية حاجياته الضرورية فى قطاع الماء. والواقع أنه من الغريب أن تتوفر عائدات تعدت 80 مليار دولار فى احتياطى الصرف فى الجزائر، بينما ما يزال يعانى 29 بالمائة من السكان النشطين من البطالة، كما وجود نسبة تعدت 30 بالمائة من السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر. بخلاف أن النفقات العسكرية الجزائرية ما لبثت أن ارتفعت كثيرا فى الآونة الأخيرة بدون مبرر؟
ومن منا لا يذكر فى هذه الحالة، كيف يمكن أن نتصور عدم وصول الماء إلى البيوت فى كثير من المدن الجزائرية، ناهيك أنه إذا وصل فلا يتعدى صبيبه ساعتين أو ثلاثة كل ثلاثة أو خمسة أيام، بخاصة فى العاصمة ذاتها.
وهو أمر متوارد ذكره باستمرار فى جميع الصحف الجزائرية دون استثناء ولا حاجة للإطالة فيه، فمع كل فيضان يحدث فى العاصمة أو تصاعد فى درجات الحرارة، يترتب عنه كثير من الاحتقان فى قنوات الماء، بفعل تقادم مجارى وقنوات صرف المياه، كما انعدام وجود كاف فى محطات التقاط التساقطات المطرية، بحيث لن نصادر على المطلوب إذا قلنا أن أغلبها عتيق ومتآكل، يرجع تاريخه إلى الاستعمار الفرنسي. غير أن المشكلة كما يقر الجميع، لا تكمن فى توفير الاعتمادات المالية فهى متوفرة. لكن المشكلة الكبيرة تكمن فى غياب الإرادة السياسية لدى العديد من أجهزة الدولة وضعف التنسيق بينها، مما دفع محافظ البنك المركزى الأسبق " صحيفة لوموند الفرنسية بتاريخ 08 فبراير 2002" إلى القول: "بأن الجزائريون على وشك الموت عطشا، بينما سد تقسبت "Taksbet" يوجد على بعد 130 كلم من العاصمة ومملوء عن آخره بالماء. ذلك أن المشكلة تكمن فى غياب قنوات تنقل وتستغل هذا الماء.
لماذا؟ منذ أربعة سنوات ونحن لم نفصل بعد فى منهجية آليات منح عروض السوق! ناهيك، أن غياب إدارة اقتصادية ونقص الخبراء وعدم الكفاءة واقتصاد الريع فى الأمد القصير، يجعل كل هذه العوامل مجتمعة تؤدى إلى نظام تدمير ذاتى للقيم تتواصل إلى ما لانهاية فى الجزائر". وبالقياس إلى وضع المغرب وتونس المتقاربين فى إمكانيات التوفير المالية، فإنه فى تونس يمتاز دخل المواطن فيها بضعف دخل المواطن المغربى "أكثر من 2000 دولار فى تونس، بينما فى المغرب 1180 دولار سنة 2003". لذلك لا يتطلب الأمر توفير المبالغ المالية المطلوبة من أحل الإبقاء على نسب الماء المتوفرة للمواطن حاليا فحسب، بل مراجعة الأولويات فى السياسات الاقتصادية الحالية، نخص بالذكر منها تشجيع التقنيات والممارسات التى تقلل من "تبذير " الماء بقصد أو بغير قصد.
وحتى لا نبقى فى إطار التوصيف الموضوعى للمشاكل، نجازف بطرح العديد من الحلول التى تمكن تونس والمغرب من تلافى حدوث أى نقص فى المياه وتلبية حاجيات المواطن بنجاح فى أفق 2025. ومن ثم يمكن فى حالة المغرب اعتماد ثلاثة إصلاحات تمكن خزينة الدولة من الحصول على 10 ملايير درهم ـ مليار يورو ـ "يخصص منها النصف إلى الصندوق الوطنى للماء"، بينما فى تونس يمكن الحصول عبر مصدرين مختلفين على 500 مليون يورو.
وبالتالى ما السبيل إلى ذلك:
أ- دون أن نخوض فى حيثيات ومكونات إصلاح ضريبى شامل "توسيع أداء الضريبة ليشمل أنشطة قليلة لا يؤدى عنها ضرائب أو ضرائبها قليلة، كما إحداث ضريبة حول الثروات الكبرى، وضريبة على الإرث العيني، كما إصلاح الضريبة العامة حول الدخل فى إطار الرفع من معدلاتها بالنسبة للأجور العليا ومكافحة التهرب الضريبى والغش" فى المغرب العربي، يكون أكثر عدالة ويستجيب لضرورات التنمية الوطنية فى المغرب وتونس، نقترح ما يلي:
ب- إعادة سن الضريبة حول عائدات المنتوجات الفلاحية، مما يمكن من الإضافة إلى الميزانية العامة للدولة ما بين 1 إلى %1،5 بالمائة من الدخل الوطني، أى حوالى 600 مليون يورو. هذا مع العلم أن المعفيين من الضرائب هم فى غالب الأحيان من كبار مالكى الضيعات الزراعية، ويشتغلون أيضا فى قطاع موظفى الدولة. مرد هذا الاختيار أن الأنشطة الزراعية التى يتعاطونها تصديرية وتستهلك كميات كبيرة عن الماء المتوفر.
ت- تعتبر السياحة فى المغرب وتونس قطاعا مهما بالنسبة لاقتصادياتهما، لكن كما نعلم أن قطاع السياحة يستهلك كميات كبيرة من المياه، بحيث تشير التقارير بأن منسوب المياه الجوفية حول مدينة أغادير المغربية " أحد أكبر المدن السياحية فى المملكة" قد انخفض كثيرا، لذا نرى من اللازم سن ضريبة سياحية حول الماء يمكن اقتطاعها من أثمان تذاكر الطائرات أو عن حجوزات المبيت فى الفنادق "يقترح بعض الاقتصاديين استخلاص 5 يورو عن كل تذكرة و2 يورو عن المبيت الفندقي"، بحيث من السهل جمع مبالغ مهمة بالقياس إلى حجم السياح الذين تستقبلهم تونس "4،5 مليون سائح" والمغرب فى شهر الصيف "3 مليون سائح". وهنا لن نفعل أكثر من إعادة التوازن بيننا والجارى به العمل فى الاتحاد الأوروبى أو الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، بخاصة أننا نؤدى وفق نظام الفيزا المعتمد حاليا، حوالى 50 يورو فى المعدل، مما يعنى أن التونسى والمغربى والجزائرى والليبى والموريتانى يؤدى فى الواقع ضريبة عن دخوله للمجال الترابى الخاص بهذه البلدان الغربية.
ث- مراجعة اتفاقيات الشراكة بين بلدان المغرب العربى والاتحاد الأوروبي، بخاصة أنها فى الوقت الحالى تؤدى إلى مضاعفة سوق البطالة وازدياد معدلات الفقر. فسياسات فتح الأسواق وتحرير الأسعار ستؤدى إلى خسارة %3 بالمائة من دخله الوطنى الخام فى أفق سنة 2012، أى ما يمثل بين 600 مليون-700 مليون يورو من حقوق الجمرك المستخلصة اليوم.
ذلك أن مراجعة اتفاقيات الشراكة غايتها الأساسية حماية النسيج الصناعى المحلى من التداعيات المدمرة على سوق الشغل ودخل المواطن من جراء فتح الأسواق الوطنية على مصراعيها أمام شركات أجنبية، لا تملك صناعتنا وشركاتنا أى فرصة للمنافسة أمامها بتاتا.... وكما يظل الهدف منه أيضا حماية بعض القطاعات الاقتصادية المهددة " النسيج، الزراعة القروية..." وتوفير بعض العائدات العمومية الحالية. وبالتالى إن إعادة تطبيق حقوق الجمرك أو على الأقل وقف التقليص فيها حول بعض المنتوجات، يمكن من توفير ما بين 200-300 مليون يورو فى الخزينة العامة.
والحال أنه يمكن فى وضع تونس عبر تطبيق إجراءات مماثلة أن تستفيد الدولة فى مجال قطاع السياحة من عائدات تبلغ 112 مليون يورو " 25 يورو فى المعدل العام عن كل سائح مضروبة فى مجموع 4،5 مليون سائح"، كما استخلاص ما بين 150 مليون يورو - 200 مليون يورو كنتيجة منطقية من وقف الإعفاء الضريبى حول بعض الواردات التى تمثل خطرا على بعض المنتوجات المحلية "الصناعات النسيجية المحلية".
والواقع أن هذه الخطوط العريضة ستكون أكثر قوة فى حالة تبنيها من قبل دول بلدان المغرب العربى مجتمعة، بخاصة من منظور اقتصادى متكامل إذا رغبت دوله أن تقضى على "البطالة، الأمية والفقر" قبل أن ينضاف إليها خطر ندرة الماء بالنسبة للعديد من المواطنين. فى حين إن مشروع خصخصة الماء الذى ينادى يه البنك العالى منذ 1990، بخاصة تفويض جميع قطاعات خدمات الماء واستغلالها من قبل شركات خواص بالكامل، لا نرى فيه خيرا مطلقا أو شرا مطلقا.ً
لذلك لا مناص من مراجعة العديد من البرامج الاشقتصادية ومخططات التنمية الحالية فى العديد من القطاعات "الفلاحة والسياحة..."، لأن أى مشكلة فى الماء ستنعكس على الأمن الغذائي، وبالتالى على الاستقرار السياسى والاجتماعي..
على ضوء ما تقدم من أرقام فى المدخل، يصبح موضوع الماء رهانا سياسيا واقتصاديا بامتياز، بحيث يقتضى توفيره كما تدبيره التنسيق بين العديد من المستويات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية والبيئية فى المغرب العربي. ناهيك أن التغيرات المناخية والحاجات المتزايدة فى تغذية شعوبه بالقياس إلى ارتفاع النمو الديموغرافى وتحسُّن مستواهم المعيشى بالتدريج، سيجعل من الماء لا محالة تحديا كبيرا يجب رفع مشكلة النقص فى كمياته منذ التسعينات، بالقياس إلى الحاجيات المتعاظمة وقلة موارده أو محدوديتها. لذا، هل تعتبر مشكلة قلة الماء فى المغرب العربى سببا فى اندلاع توترات نحن فى غنى عنها؟
وما هى انعكاساتها على التنمية؟ ناهيك أن الدراسات المناخية تضع منطقتنا بين المناطق التى ستعانى شحا كبيرا فى موارد هذه المادة الحيوية غير القابلة للتعويض. وبالتالى يرتفع خطر الحاجة إلى الخارج فى مجال التغذية وتوفير لقمة العيش؟ أسئلة نعرض رهاناتها بتفصيل بالنسبة لبلدان المغرب العربي.
وبالطبع إن واقع الأرقام الحالى عالميا، يؤكد أن الخطر الفعلى فى توفير الماء يبدأ فعليا مع توفر أقل من 1700 متر مكعب سنويا وبالنسبة للشخص الواحد، وهو وضع لا يحسد عليه فى أكثر من 80 دولة " إحصاء 1995"، لكن الأخطر يبدأ مع العد العكسى إن وصل الأمر إلى 1000 متر مكعب "= 2740 لتر يوميا"، حيث تتعمم الندرة ويعم القحط ويستفحل العطش، وهو الحال الذى سيصيب أكثر من 60 دولة سنة 2025. ومن ثم يفرض علينا الواجب التنبيه بأن المغرب والجزائر وليبيا وسوريا والأردن ومصر وتونس توجد مع الأسف فى هذه اللائحة. علاوة أن حالة الندرة المطلقة سيصيب فى مقتل بعض مناطق الأردن، العربية السعودية وجنوب الجزائر... بعد أن ينزل سقف التساقطات فيها إلى اقل من 500 ملم مكعب.
ذلك أن هذا التقدير لم يعتمد جزافا، بل هو مقياس علمى اهتدت إليه الأبحاث الهيدرومائية عبر ما أصبح يعرف بـ :مؤشر القلق المائي" "water stress" كغيره من مؤشرات القياس العالمية المعتمدة " مؤشر التغطية، مؤشر النمو،..."، إذ حددت صاحبته الفيزيائية السويدية "Malin Falkenmark" حالة الإنذار فى انخفاض المتوفر من الماء تحت سقف 1700 متر مكعب بالنسبة لكل شخص سنويا، أما حالة الندرة والخصاص "water scarcity" تكمن فى انخفاض المتوفر من الماء تحت سقف 1000 متر مكعب سنويا "2740 لتر يوميا" بالنسبة للشخص الواحد.
الجغرافية أقوى من السياسة
تشير المعطيات الجغرافية أن منطقتى المغرب والمشرق العربى تقعان بين خط 36 درجة شمال الحدود السورية التركية وخط 12 جنوب الساحل الجنوبى من شبه الجزيرة العربية. هذا بالإضافة أن حوض البحر الأبيض المتوسط يتداخل بقوة مع السواحل الشرقية، مما يسمح بتسرب كثير من الضغوطات الجوية الغربية. وبالتالى إن هذه المنطقة الجغرافية التى تبلغ 14 مليون كلم²، لا تخضع لنظام مناخى متشابه، بل هى حلقة وصل بين منطقتين: المنطقة الاستوائية وشبه الاستوائية المعروفة بوجود ضغوط عالية مستقرة من ناحية، كما تقع من ناحية أخرى فى المنطقة المتوسطية التى تتميز بمناخ معتدل يتميز بحركة ضغط رياح غرب شرقية بطريقة دورية.
بإيجاز شديد، تفرض هذه المعطيات الجغرافية القول بأن التساقطات المطرية تخضع فى مجملها للمناخ المتوسطي. فهى إن كانت تحدث فى فصول الخريف والشتاء، يبقى أن توزيعها يختلف من منطقة إلى أخرى وتتحكم فيه ثلاثة عوامل: خطوط العرض وتضاريس المنطقة وجملة من العوامل القارية "ناجمة عن ميزات مناخية متولدة من ضعف التأثيرات البحرية". فالتساقطات كثيرة بالقرب من الساحل، لكنها ضعيفة كل ما اتجهنا نحو الجنوب أو اتجهنا نحو شرق الشرق الأوسط.
والظاهر أن السمة العامة تتمثل فى أن مدة الصيف طويلة، فهى تستغرق ما بين 3 إلى 5 أشهر، لكنها تتجاوز 6 شهور كلما ابتعدنا عن الساحل: 5 شهور فى بيروت، 6 شهور فى الموصل العراقي، 8 شهور فى دمشق وأحيانا تصل 10 شهور فى بغداد.
مؤدى هذه الملاحظات المناخية والجغرافية أن نستنتج بأن التساقطات المطرية ضعيفة عموما، حيث لا تفوق فى معدلها السنوى 600 ملم فى المناطق الجنوبية من حوض البحر الأبيض المتوسط، لكن يمكن فى حالات استثنائية أن تفوق هذه التساقطات 1000 ملم فى بعض المناطق المتاخمة للساحل الشمالى من بلدان المغرب العربي. منه مثلا ما نشهده من كم التساقطات فى منطقة الريف " شمال المغرب" حيث تفوق 1000ملم فى جبال الريف " وتصل أحيانا 1700ملم فى قممه أو قمم جبال الأطلس العالية"، بحيث تبلغ أحيانا فى بعض قمم الأطلس المتوسط والعالى وأطلس شرق الجزائر 1352 ملم فى مدينة يكورن التى تقع فى منطقة القبائل و1773 ملم فى إدوغ الجزائريتين. وهو ما يوازيه فى لبنان وسوريا " جبل لبنان وجبل أنصاريا..".
واقع الأرقام
بيد أن هذه المناطق الرطبة قليلة، بخلاف كونها تمثل أقل من 7 بالمائة من المساحة فى بلد مترامى الأطراف كالجزائر، إذ لا تحصل ربع الأراضى الجزائرية الصالحة للزراعة على أقل من 600 ملم سنويا، مما يمثل 1 بالمائة من مجموع التراب الوطني، أما المنطقة التى تستقبل ما بين 400-600 ملم فحظها ليس أوسع من مساحة المنطقة المذكورة.
ومن ثم يتخذ الماء فى الجزائر طبيعة استراتيجية بالقياس إلى ندرته ودورة التساقطات المتقلبة والمختلة، ناهيك أن المياه الجوفية أو الموجودة على السطح تبقى مواردها محدودة، حيث أن المشاكل الديموغرافية وتوزيع الساكنة على التراب الوطنى " أكثر من 60 بالمائة من السكان يقطنون بالجهة الشمالية، هذا فى الوقت الذى لا تشكل فيه هذه المنطقة إلا عشرة بالمائة من مجموع التراب الوطني"، يفرض جهودا جبارة فى تدبير احتياجات المجال الحضرى واتخاذ إجراءات صارمة فى استعمال الاحتياطات، إن رغبت الجزائر تحقيق تلبية حاجياتها فى أفق سنة 2012. ناهيك عن وجود ضعف فى التعبئة وسوء المعالجة بفعل نقص محطات التطهير وتلوث المجمع منها.
بلغة الأرقام الصعبة ثمة محددات طبيعية وكيفية توزيع الساكنة تلعب دورا كبيرا فى إشكالية الماء فى الجزائر، فمن جهة إن منطقة الشمال الغنية بالتساقطات المطرية نسبيا، تمثل 7 بالمئة من مجموع التراب الجزائرى الواسع، أى 166.721 كلم² ، تحظى فيه بنسبة 92 بالمائة من التدفقات المطرية.
هذا مع العلم أن الجزء الخاص بالتساقطات المطرية المهمة والتى تفوق 700 ملم/ سنويا يخص فقط 30.10 كلم مربع أى بنسبة 7 بالمائة من الأحواض المائية، كما أن هناك11 حوض مائى "إحصاء 1994 " فى شمال الجزائر تغطى 130.000 ألف كلم². ومن جهة أخرى تتركز نسبة 60 بالمائة من السكان فى هذه المنطقة " المصدر: المكتب الوطنى للإحصاء، 1994".
والواقع أنه يمكن تعميم هذه الحالة فى مجموع الدول العربية، باستثناء مناطق فى المغرب أو الجهة الجنوبية من السودان التى تستقبل تساقطات مطرية مهمة، وهى ناجمة بالأساس عن المناخ الاستوائى فى الحالة الثانية. لذلك إن ما نشهده فى الغالب الأعم من كم التساقطات، أنها تتراوح بين 100 و400 ملم تشمل كل من الهلال الخصيب والساحل الليبى والهضاب العليا المغاربية، بينما هناك مساحات صحراوية شاسعة تستقبل أقل من 100 ملم.
أضف إلى ذلك أن الصحراء فى المغرب العربى قريبة جدا من الساحل المتوسطي، فهى لا تبعد أكثر من 400 كلم فى حالة الجزائر، بينما فى أحيان كثيرة هى ملتصقة بالساحل كما فى حالة ليبيا ومصر.
وبالتالى أنه إذا استثنينا حالة لبنان، فجميع الدول العربية تضم داخل حدودها نسبة عالية من الأراضى الصحراوية، حيث تمتد إلى حوالى 700.000 ألف كلم² ، أى نصف المساحة الإجمالية من عموم البلدان العربية، منه أن مدينة الكويت لا تستقبل أكثر من 111 ملم من التساقطات سنويا، بينما فى الرياض تصل بالكاد إلى 82 ملم، وفى مدينة جدة 25ملم، بينما فى عدن تهبط إلى 39 ملم. ناهيك أنها فى القاهرة لا تتعدى 22 ملم، وتبلغ فى مدينة توغورت فى الجزائر 60 ملم.
ناهيك أن هذه التساقطات المطرية غير منتظمة، مما يعنى أن حجم الكميات التى يمكن أن نراهن عليها سنويا هى أقل من 10 بالمائة فى المتوسط العام، بينما فى حالة أمريكا الشمالية تتراوح بين 60 و 80 بالمائة شرقا، وتقدر ب%30 بالمائة غربا.
الأمر الذى يؤثر مما لاشك فيه على مواعيد الموسم الفلاحي، بحيث أن سقوط ما بين 250 ملم إلى 350 ملم يجعل ممكنا بكثير من الحظ بعض زراعات القطانى الجافة، لكن دون هذه الكمية ليس هناك مفر من اللجوء إلى الرى والسقي. وبناء على ما تقدم نرى من الضرورى الإشارة إلى واقع الأرقام الحالية والمستقبلية فى كميات المياه العذبة " المتوفرة سنويا وبمقياس متر مكعب للفرد الواحد سنويا" حتى يتبين حقيقة الخطر الذى يهدد العديد من الدول العربية منذ عدة سنوات من الرصد والملاحظة:
- الجزائر:1691 م³ سنة 1950، 750 م³ سنة 1990، 527 م³ سنة 1995، 313 م³ سنة 2025.
- تونس: 1105 م³ سنة 1950، 530 م³سنة 1990، 434 م³ سنة 1995، 288 م³ سنة 2025.
- ليبيا: 583 م³ سنة 1950، 160 م³ سنة 1990، 111 م³ سنة 1995، 47 م³ سنة 2025.
وبإيجاز شديد، يلاحظ أنه فى حالة المغرب ستهبط إلى 750 م³ سنة 2025 ، وفى مصر إلى 607 م³ سنة 2025 ، العربية السعودية: 107 م³ سنة 2025، اليمن: 131 م³ سنة 2025، الأردن: 144 م³ سنة 2025، الكويت:55 م³ سنة 2025، إيران:916 م³ سنة 2025، الصومال:570 م³ سنة 2025. فلسطين:270 م³ سنة 2025. " المصدر: "Bilan du Monde2004.
الوضع الجيومائى المغاربى فى خدمة الوحدة
من النادر فى العالم العربى أن يطرح موضوع الماء نفسه بمعزل عن التجاذبات السياسية والجيوسياسية الموروثة عن الحقبة الاستعمارية، إذ أن الأمر جد معقد فى حالة كل من دجلة والفرات والنيل ونهر الأردن والليطاني... بحكم الرهانات الجيوسياسية والمصالح المحيطة بها. إلا أن الوضع فى المغرب العربى يتميز عن ذلك مطلقا، بحيث ثمة مشاكل مرتبطة فى قلة التساقطات، لكن توزيع الماء يظل محصورا فى نطاق كل دولة على حدة. إذ ليس ثمة نهر يتوزع بين بلدانه أو يخترق حدودها، مما يجعل حدوث صراع على اقتسام موارده ممكنا. لكن هذه المزية توجد بجوارها بلية تفيد بأنه ليس بإمكان أى بلد بمفرده أن يواجه قلة التساقطات المطرية وازدياد الجفاف والتصحر وتوفير حاجياته الغذائية بإمكانياته الخاصة فحسب. وبالتالى إن غياب موارد مالية كبرى على عكس حال دول الخليج، يصبح التعاون فى الأمن المائى والغذائى بين بلدانه أمر يفرضه منطق المصالح المشتركة.
إجمالا فى المعدل العام تقدر موارد المياه العذبة فى المغرب العربى ب53 مليار متر مكعب " المغرب، الجزائر، تونس"، مما يجعلها فى صف الدول التى لا تتوفر على احتياطات مهمة كما أسلفنا، إن لم يكن أقل من 1000 متر مكعب، وهو وضع يجعلها فى خانة الدول التى ستعانى من قلة الماء لا محالة، بحيث لا تفوق الكمية 793 متر مكعب للشخص سنويا، بينما نعيد التذكير بأن المؤشر الدولى يحدد أن الاكتفاء يجب أن لا يقل على 1700 متر مكعب سنويا للشخص. وبالتالى إن هذا الرقم يصنف كل من دوله الخمسة فى خانة الدول التى ستعانى من خصاص مهول فى الماء، لاسيما أن الأرقام المستقبلية تشير أن سكانه سيصلون فى أفق 2025 أكثر من 100 مليون نسمة. هذا فى الوقت الذى سيتراجع معدل المياه العذبة إلى 538 متر مكعب سنويا للشخص.
ناهيك أن هذا الرقم يبقى مفرطا فى التفاؤل بالقياس إلى تباين التساقطات بين مناطق المغرب العربي، فالاختلاف شاسع بين مناطق الأطلس المغربية وباقى المناطق الأخرى.
والحال أن المغرب يتميز نسبيا فى هذه النقطة، بخاصة أن يتوفر على 30.000 مليار متر مكعب، مما يجعله الأوفر حظا، حيث يبلغ المعدل العام أكثر من 1064 متر مكعب سنويا للشخص بسبب التساقطات المطرية التى تأتيه من المحيط الأطلسي. لكن يبقى أن المتوتر منها على المدى الطويل لا يفوق النصف " 16،5 مليار متر مكعب"، ومن ثم إن القلق يكمن فى أرقام التخمينات المستقبلية التى تنذر بأن تنحصر فى 12،5 مليار متر مكعب.
وهو أمر يقلل من هامش المناورة لديه ما دام بأنه فى حاجة إلى ثلاثة أرباعها حاليا. وبالعودة إلى حالة للجزائر نجد أن اغلب التساقطات تأتيه من جهة حوض البحر الأبيض المتوسط وما يسحبه من الأحواض الجوفية.، لكن إمكانيتها ضعيفة وتنحصر فى 19 مليار متر مكعب، أى حوالى 638 متر مكعب سنويا للشخص الواحد. بالإضافة ثمة تباين شديد بين الغرب ـ الغنى بالأحواض والمياه الجوفية، بينما تقل فيه التساقطات ـ والشرق الذى تسيل فيه أغلب الأنهار " الرحومل "910 مليون متر مكعب"، الصومام "700" وبعض الوديان الصغيرة فى قسنطينة "910 مليون متر مكعب وإيسر "520".
فوحده نهر شلف يتميز بصبيب عال فى الغرب "1540 مليون متر مكعب".لذا ثمة نقص كبير فى الغرب الجزائرى ، كما لا ننسى ضياع كميات كبيرة منه فى الشرق. علاوة على سمة عامة يتميز بها الوضع الهيدرومائى الجزائرى تكمن فى انخفاض نسبى فى الكميات المسحوبة بالنسبة للحجم المتواتر من التساقطات نظرا للتأخير الحاصل فى إمكانية تعبئة جميع موارد الجزائر المائية. أما الوضع فى تونس فأن إمكانياتها أقل حجما مما عليه عند جاريه الشقيقين، فهى لا تتعدى 468 مترا مكعبا سنويا للشخص. هذا على الرغم من أن البلد قام بمجهود جبار فى تقنين جميع الموارد المائية، الجوفية منها كما السطحية، لكن ما يلاحظ أن نسبة السحب وصلت 88 بالمائة منها. الأمر الذى يعنى أن هامش المناورة لديها جد ضيق فى المستقبل.
والحال أن نسبة حجم الموارد المائية الجوفية تقارب حجم المياه السطحية، حيث يلاحظ أن 80 بالمائة من المياه السطحية تقع فى الهضاب الجبلية الشمالية الغربية، بينما 91 بالمائة من الحاجيات تتمركز فى الشريط الساحلى حيث تتجمع المدن والمناطق الصناعية والنشاط السياحي. لذا كان لا بد من نقل كميات كبيرة من واد مدجردة "1000 مليون متر مكعب" ومن الوديان الساحلية فى الشمال "550 مليون متر مكعب" أو من إيشكول "265 مليون متر مكعب". بخلاف الاستهلاك الكبير من المياه الجوفية المتواجدة بكثرة فى الشمال ووسط البلاد، حيث تقدر كميات السحب 700 مليون متر مكعب. وهو ما يؤكد أن الاحتياطات فى المياه العميقة تقع فى الجنوب لكن الطلب عليها قليل، بالقياس إلى مياه الشمال الجوفية "59 بالمائة من الإمكانيات معبآة"، لكن عملية نزْح المياه تتطلب تقنيات حفر معقدة وباهظة التكاليف.
إجمالا، إن البلدان الثلاثة تتوفر على كميات متفاوتة الأهمية تتخللها مستويات الحصول عليه بطريقة متباينة، يمكن إيجازها فى ما يلي: ضعف الإمكانية الهيدرومائية، عدم انتظام التساقطات الموسمية أو بين السنوية، سوء توزيع بين الجهات، تكاليف باهضة لاستخراج المياه العميقة. مما يجعل منها أهم المعيقات التى تتطلب من بلدان المغرب العربى رفعها. بيد إن الوضع قلق للغاية بالقياس إلى الحاجيات المتزايدة على الماء، هذا فى الوقت الذى تدرك دوله جميعا بأن تحقيق الأمن الغذائى يتطلب بالضرورة توسيع مساحات الأراضى المسقية، علاوة على ارتفاع الاستهلاك فى المناطق الحضرية بشكل صاروخي.
والتحدى الذى يواجهه المغرب العربى فى الأمن الغذائى ناجم عن تنامى العامل الديموغرافى بنسبة تتراوح ما بين 2،8 بالمائة إلى 3 بالمائة سنويا، مما يعنى فى علم الإحصاء أن عدد السكان سيكون ضعف ما هو عليه اليوم سنة 2025. إذ أن التحسن فى مستوى معيشة السكان منذ الاستقلال ساهم إلى حد كبير فى ارتفاع نسبة المواليد، بحيث إذا كان الناتج المحلى الخام للبلدان المغربية غداة الاستقلال يتراوح بين 3 إلى 400 دولار، فإنه ارتفع اليوم إلى ما بين 1000 و2300 دولار.
لكن ما نود الإشارة إليه أن هذه البلدان ما زالت تشترك جميعا فى مستوى معيشى منخفض، بحيث تشكل النفقات الغذائية ما بين 40 إلى 50 بالمائة من نفقات الميزانيات العائلية أو أكثر. لذا إن أى ارتفاع فى الدخل يترجم بطريقة فورية فى تحسين مستوى الغذاء عائليا. وهو ما نشهده من خلال ارتفاع نسبة السعرات الحرارية من 2200 وحدة حرارية إلى أكثر من 3000 وحدة حرارية حاليا. ومن ثم إن الطلب على الغذاء كما وكيفا يرتفع بوتيرة متصاعدة وأكثر حدة من النمو الديموغرافى الذى يظل هو الآخر مرتفعا.
هذا فى الوقت الذى نشهد فيه تغييرا فى العادات الغذائية داخل المدارات الحضرية المتنامية، فالإقبال على المواد الغذائية التجارية يتزايد، بحيث غير سكان المدن الكثير من عاداتهم الغذائية باستهلاكهم مواد جديدة، حيث تركت البورجوازية الصغيرة والمتوسطة نماذج الاستهلاك التقليدية واقتربت كثيرا من النماذج الغربية "هلاليات الفطور فى الصبح، خبز بالشكولاتة، الخبز الناعم... استهلاك اللحم والخضر والفواكه والمشروبات الغازية تتزايد".
الأمر الذى لا يجعل الطلب يرتفع فحسب، بل يتنوع كما وكيفا. غِب هذه التحولات الديموغرافية والاستهلاكية، ما تزال قدرات الإنتاج الفلاحى المغاربية أبعد من أن تستجيب للطلب المتزايد أو تحقق اكتفاء ذاتيا. ذلك أنها أبعد من تحقيقه بكثير، منه أن إنتاج الحبوب المصدر الغذائى الأساسى فى حياة ساكنة البلدان المغاربية انتقل من 6 ملايين طن "فى مرحلة 61-65" إلى 9 ملايين طن فى مرحلة "1991-1995"، أى بنسبة نمو تصل إلى 1،56 بالكاد، بينما تزايد عدد سكانه ثلاثة مرات! ومن ثم لجأت جميع دول المغرب العربى مكرهة ومنذ سنوات طويلة إلى استيراد المواد الغذائية الأساسية التى لا يمكن لها التحكم فيها بتاتا.
إذ أن حجم الأطنان المستوردة تضاعفت ستة مرات خلال خمسة وثلاثين سنة، بخاصة فى استيراد الحبوب الذى فاق حجمه تسعة مرات عما كان عليه فى الماضي. بالإضافة، لا يخفى أن ثمن طن من القمح فى سنوات الستينات ارتفع ثمنه ثلاثة مرات حاليا أو أكثر . الأمر الذى يخول حق القول بأن دول المغرب العربى تستورد من الحبوب أكثر مما تنتج، مما نخمن معه تباعا الخلل الحاصل فى الميزان التجارى عندما تمثل المواد الغذائية الأساسية نسبة قد تصل إلى 30 بالمائة من الواردات بصفة إجمالية.
والحقيقة أن الجزائر توجد فى وضعية صعبة للغاية، إن يستورد البلد نسبة 70 بالمائة من حاجياته الغذائية الأساسية! هذا فى الوقت الذى تشير فيه جميع المؤشرات بأن الطلب على المواد الغذائية الأساسية مرشح للارتفاع من جديد، كما أن الارتفاع الذى تعرفه السوق الدولية فى مواد أساسية كالحبوب والحليب والسكر تنذر بقلاقل اجتماعية خطيرة. والواقع أن كل التوقعات فى دائرة اللون الأحمر، ما يدفعنا إلى قرع أجراس الخطر من مغبة حدوث ما لا يحمد عقباه: إذ ارتفع الطلب على الحبوب فى حالة الجزائر من 4 مليون طن ونصف تقريبا فى سنة 1985 إلى أكثر من 7 ملايين سنة 2000، ومن المتوقع أن يصل الطلب إلى 11 مليون ونصف سنة 2025. أما فى المغرب ازداد الطلب على الحليب من 796.000 ألف طن إلى مليون و 184.000 طن سنة 2000 ومن المرجح أن يصل إلى مليونين طن سنة 2025. علاوة أن الطلب على السكر فى تونس ارتفع من 186.000 طن إلى 251.000 طن وسيصل إلى 351.000 طن.
لذا فإن رفع تحديات الأمن الغذائى تتطلب قدرات وإمكانيات تفوق قدرة كل بلد على حدة، وما لم تقتنع النخب المغاربية الحاكمة بأن الخروج من نفق أزمة الأمن الغذائى المعلنة سنة 2025 ـ بوضوح لا يقبل الجدل فى جميع بلدانها دون استثناء ـ يتطلب تكاملا أو اندماجا بين قدراتها. وعكس ذلك لن تستطيع رفع هذا التحدى مهما كانت العزيمة الوطنية فى أى بلد. ومن الملاحظ أن الحكومات وعيا منها فى السابق بهذه الخطورة، حاولت اللجوء إلى الرفع من مساحات الأراضى المسقية على حساب الأراضى البورية، أملا منها فى تحسين معدل المردودية فى الهكتار الواحد والزيادة فى فرص العمل. لكن هذا الحل على الرغم من فوائده ومزاياه العديدة التى لا يمكن إنكارها، فإنه حاليا وصل إلى الباب المسدود. إذ أن التقنية المعتمدة فى حينه كانت تتمحور على إنشاء سدود – خزّانات مائية وضعت على عاتقها سقى الأراضى المستصلحة. غير أن محدودية وعدم انتظام التساقطات يبقى منسوب المياه التى يمكن حصرها فى السدود صغيرا، وهو أمر لم يثبت نجاعة كبيرة إذا استثنينا وضع المغرب الذى تلعب فيه السدود دورا رائدا.
وتجدر الإشارة إلى الآفاق الواعدة التى يفتحها مشروع النهر الصناعى فى ليبيا، وهو يحاول رفع تحدى المناخ والبيئة الصحراوية المترامية الأطراف، حيث كان الرهان فى البداية على خلق قطاع فلاحى وسط الصحراء يتم سقى مساحات أراضيه المستصلحة عبر المياه الجوفية. وإذا كان من المتعذر فى الوقت الحالى استعمال المياه الجوفية فى عين المكان، لجأت ليبيا إلى سحب مياه الصحراء إلى الساحل رغبة منها فى إنعاش القطاع الفلاحى على الساحل الليبى وإمداد مدنه بالماء الصالح للشرب.
ومن ثم فإن التحديات التى كان على النهر الصناعى رفعها، هى بحجم العنقاء. إذ أن ضخامة التكاليف المرصودة قياسية بكل معانى الكلمة "30 مليار دولار"، إذ وضعت ليبيا لبنات بناء النهر الصناعى بالتدريج "منذ سنة 1983"، وهى حاليا فى طور المراحل الأخيرة من البناء، حيث تنقل مياه الصحراء الجوفية عبر 4000 كلم من القنوات الممتدة تحت الأرض، وتحمل أكثر من مليارين متر مكعب من الماء.
والجدير بالذكر أن قنوات عملاقة امتدت من أحواض سرير وكفرة وتزرزو نحو خزان أجدبية الضخم، كما تم إيصال ماء الأحواض إلى كل من مدينة بنغازي، سرت وبريغة وطرابلس، كما أن هناك مجهودا متواصلا فى الجزء الثانى من المشروع يمكن من وصل بين فزان وطرابلس "1000 كلم". حيث من المنتظر فى النهاية سد حاجيات المدن، كما سقى 250.000 ألف هكتار فى مناطق بنغازى وسرت وجفارة، مما يعيد الحيوية إلى المناطق الفلاحية التى أنهكها المعمرون الإيطاليون، بخلاف سقى مناطق جديدة تصل إلى 180.000 هكتار منها.
وهو ما سينعش بحق القطاع الفلاحى الليبى من دون شك، حيث ليس هناك من مشروع يضاهى هذا المشروع فى العالم العربى قاطبة، غير محاولة السعودية استصلاح أراضى صحراوية فى محاولة تحقيق أمنها الغذائى من الحبوب. إجمالا، يبقى أن نشير الى أنه على الرغم من الفوائد المنتظرة والكبيرة من هذا المشروع، فإن 70 بالمائة من المياه المستعملة فى ليبيا مواردها غير مجددة، ناهيك أن تكلفة جلب الماء من الأحواض الجوفية الصحراوية مرتفع نسبيا " ما بين 1 دولار إلى 1،3 دولار للمتر المكعب". لكن رفع تحديات ليبيا الغذائية وعدم الاقتصار على الخارج، يبقى الهدف الأول من هذا الاستثمار الكبير، بالقياس إلى مدة حياته الممكنة " مائة سنة تقريبا".
الحلول والبدائل
وإذا كانت هذه الأرقام تؤكد بما لا يدع مكانا للشك أن المغرب العربى يعيش حالة من "القلق المائي" مع بعض الاختلافات الطفيفة، بالقياس إلى معدل قوى فى النمو الديموغرافى والتحسن المتصاعد فى مستوى معيشة المواطنين نسبيا، فإن وضع الجزائر وتونس صعب عما هو عليه الحال فى المغرب، ما لم تتخذ المزيد الإجراءات الوقائية لحماية الثروات المتاحة وتوفير بدائل. إجمالا، يجب مراجعة السياسات الاقتصادية التى لم تدخل فى حساباتها قضية الماء " بخاصة فى الجزائر"، أو تلك التى جعلت من الماء عنصرا فى تنويع مصادر الاقتصاد الوطني، لكن دون الانتباه إلى تداعيات استهلاك قصوى كما حدث فى المغرب من استغلال كبير فى الماء فى فلاحة التصدير "الحوامض..."، أو ما يفرضه متطلبات استهلاك القطاع السياحى المرتفعة. وكلاهما يستهلكان كميات جد كبيرة من مخزون المياه الحلوة.
- أولى الإجراءات تتمثل فى اتخاذ سلسلة من الإجراءات والتدابير المستعجلة، لأنها من حسن الحظ متوفرة وتتطلب فقط إرادة سياسية صلبة تهدف إلى تقليص كميات لا باس بها من التبذير الحاصل " نسبة الضائع من المياه فى القنوات تصل 35 بالمائة فى المغرب و30 بالمائة فى تونس، أما الوضع فى الجزائر فهو جد كارثى للأسف الشديد...".
- ثانيا إعادة توجيه الاقتصاد الوطنى نحو قطاعات مقتصدة فى الماء ـ وأقل تلويثا ـ عما هو عليه الأمر فى قطاعى الفلاحة والسياحة " المغرب وتونس" أو قطاع البيتروكيماويات " الجزائر وليبيا". والواقع أن حالة القلق الهيدرومائية المشتركة تفرض على جميع البلدان المغاربية بدون استثناء، التعاون من أجل توفير تكاليف ومضاعفات مواجهة الخصاص الذى بدا يلوح فى الأفق، ناهيك عن الرفع من الإمكانيات المائية المتوفرة ـ أو على الأقل الحفاظ على المعدلات الحالية فى أفق 2025 – كما تحسين استعماله وترشيده بالنسبة لعموم السكان. وإذا أخذنا بعين الاعتبار العديد من الدراسات الجيولوجية فى مجلات متخصصة ك: "Revue des sciences de l’eau, N°3-4, 2003" و"Horizons maghrébins, N°53,2005" أو "International Water Journal, N°4-2007" ثم "Les Cahiers de l’orient, N°44,1996"، يتضح بأنه إذا أردنا تحقيق كفاية مائية تتناسب مع ارتفاع وتيرة النشاط الفلاحى والصناعى وحاجيات السكان المنزلية فى عموم بلدان المغرب العربي، تفيد أن المغرب وتونس والجزائر وليبيا فى أقصى الحالات، يمكنهم بسهولة تخصيص اعتمادات مالية لا تتجاوز مليار 500 مليون يورو، لكى يتم ضمان توفير ما بين 500-600 متر مكعب سنويا للشخص فى كل من الجزائر وتونس، وما بين 700-800 ملم مكعب فى حالة المغرب، أما فى ليبيا يمكن أن تصل إلى 250-350 ملم مكعب. وهو أمر لا يمكن أن تحلم به بلدان المغرب العربى فى أفق سنة 2025 إذا استمر الوضع كما هو عليه الحال. ومن المفيد القول بأنه من السهل جدا فى حالة المغرب وتونس بعامة، وليبيا والجزائر "بفضل العائدات النفطية" بخاصة، أن يوفروا معا المبلغ الضرورى لكى يتم تلبية حاجيات شعوبها من الماء الصالح للشرب.
ناهيك أن وضع الجزائر تتميز خطورته أكثر من غيره "بالقياس إلى مجهود ليبيا فى النهر الصناعى العظيم ، وبالقياس إلى تخصيص المغرب مبلغ 100 مليون يورو من ميزانيته العامة من أجل ضمان 750 متر مكعب سنويا لأى مواطن فى أفق سنة 2020، كما محاولة بحثه عن 200 مليون يورو أخرى سنويا وإلى غاية 2020" من أجل تلبية حاجياته الضرورية فى قطاع الماء. والواقع أنه من الغريب أن تتوفر عائدات تعدت 80 مليار دولار فى احتياطى الصرف فى الجزائر، بينما ما يزال يعانى 29 بالمائة من السكان النشطين من البطالة، كما وجود نسبة تعدت 30 بالمائة من السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر. بخلاف أن النفقات العسكرية الجزائرية ما لبثت أن ارتفعت كثيرا فى الآونة الأخيرة بدون مبرر؟
ومن منا لا يذكر فى هذه الحالة، كيف يمكن أن نتصور عدم وصول الماء إلى البيوت فى كثير من المدن الجزائرية، ناهيك أنه إذا وصل فلا يتعدى صبيبه ساعتين أو ثلاثة كل ثلاثة أو خمسة أيام، بخاصة فى العاصمة ذاتها.
وهو أمر متوارد ذكره باستمرار فى جميع الصحف الجزائرية دون استثناء ولا حاجة للإطالة فيه، فمع كل فيضان يحدث فى العاصمة أو تصاعد فى درجات الحرارة، يترتب عنه كثير من الاحتقان فى قنوات الماء، بفعل تقادم مجارى وقنوات صرف المياه، كما انعدام وجود كاف فى محطات التقاط التساقطات المطرية، بحيث لن نصادر على المطلوب إذا قلنا أن أغلبها عتيق ومتآكل، يرجع تاريخه إلى الاستعمار الفرنسي. غير أن المشكلة كما يقر الجميع، لا تكمن فى توفير الاعتمادات المالية فهى متوفرة. لكن المشكلة الكبيرة تكمن فى غياب الإرادة السياسية لدى العديد من أجهزة الدولة وضعف التنسيق بينها، مما دفع محافظ البنك المركزى الأسبق " صحيفة لوموند الفرنسية بتاريخ 08 فبراير 2002" إلى القول: "بأن الجزائريون على وشك الموت عطشا، بينما سد تقسبت "Taksbet" يوجد على بعد 130 كلم من العاصمة ومملوء عن آخره بالماء. ذلك أن المشكلة تكمن فى غياب قنوات تنقل وتستغل هذا الماء.
لماذا؟ منذ أربعة سنوات ونحن لم نفصل بعد فى منهجية آليات منح عروض السوق! ناهيك، أن غياب إدارة اقتصادية ونقص الخبراء وعدم الكفاءة واقتصاد الريع فى الأمد القصير، يجعل كل هذه العوامل مجتمعة تؤدى إلى نظام تدمير ذاتى للقيم تتواصل إلى ما لانهاية فى الجزائر". وبالقياس إلى وضع المغرب وتونس المتقاربين فى إمكانيات التوفير المالية، فإنه فى تونس يمتاز دخل المواطن فيها بضعف دخل المواطن المغربى "أكثر من 2000 دولار فى تونس، بينما فى المغرب 1180 دولار سنة 2003". لذلك لا يتطلب الأمر توفير المبالغ المالية المطلوبة من أحل الإبقاء على نسب الماء المتوفرة للمواطن حاليا فحسب، بل مراجعة الأولويات فى السياسات الاقتصادية الحالية، نخص بالذكر منها تشجيع التقنيات والممارسات التى تقلل من "تبذير " الماء بقصد أو بغير قصد.
وحتى لا نبقى فى إطار التوصيف الموضوعى للمشاكل، نجازف بطرح العديد من الحلول التى تمكن تونس والمغرب من تلافى حدوث أى نقص فى المياه وتلبية حاجيات المواطن بنجاح فى أفق 2025. ومن ثم يمكن فى حالة المغرب اعتماد ثلاثة إصلاحات تمكن خزينة الدولة من الحصول على 10 ملايير درهم ـ مليار يورو ـ "يخصص منها النصف إلى الصندوق الوطنى للماء"، بينما فى تونس يمكن الحصول عبر مصدرين مختلفين على 500 مليون يورو.
وبالتالى ما السبيل إلى ذلك:
أ- دون أن نخوض فى حيثيات ومكونات إصلاح ضريبى شامل "توسيع أداء الضريبة ليشمل أنشطة قليلة لا يؤدى عنها ضرائب أو ضرائبها قليلة، كما إحداث ضريبة حول الثروات الكبرى، وضريبة على الإرث العيني، كما إصلاح الضريبة العامة حول الدخل فى إطار الرفع من معدلاتها بالنسبة للأجور العليا ومكافحة التهرب الضريبى والغش" فى المغرب العربي، يكون أكثر عدالة ويستجيب لضرورات التنمية الوطنية فى المغرب وتونس، نقترح ما يلي:
ب- إعادة سن الضريبة حول عائدات المنتوجات الفلاحية، مما يمكن من الإضافة إلى الميزانية العامة للدولة ما بين 1 إلى %1،5 بالمائة من الدخل الوطني، أى حوالى 600 مليون يورو. هذا مع العلم أن المعفيين من الضرائب هم فى غالب الأحيان من كبار مالكى الضيعات الزراعية، ويشتغلون أيضا فى قطاع موظفى الدولة. مرد هذا الاختيار أن الأنشطة الزراعية التى يتعاطونها تصديرية وتستهلك كميات كبيرة عن الماء المتوفر.
ت- تعتبر السياحة فى المغرب وتونس قطاعا مهما بالنسبة لاقتصادياتهما، لكن كما نعلم أن قطاع السياحة يستهلك كميات كبيرة من المياه، بحيث تشير التقارير بأن منسوب المياه الجوفية حول مدينة أغادير المغربية " أحد أكبر المدن السياحية فى المملكة" قد انخفض كثيرا، لذا نرى من اللازم سن ضريبة سياحية حول الماء يمكن اقتطاعها من أثمان تذاكر الطائرات أو عن حجوزات المبيت فى الفنادق "يقترح بعض الاقتصاديين استخلاص 5 يورو عن كل تذكرة و2 يورو عن المبيت الفندقي"، بحيث من السهل جمع مبالغ مهمة بالقياس إلى حجم السياح الذين تستقبلهم تونس "4،5 مليون سائح" والمغرب فى شهر الصيف "3 مليون سائح". وهنا لن نفعل أكثر من إعادة التوازن بيننا والجارى به العمل فى الاتحاد الأوروبى أو الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، بخاصة أننا نؤدى وفق نظام الفيزا المعتمد حاليا، حوالى 50 يورو فى المعدل، مما يعنى أن التونسى والمغربى والجزائرى والليبى والموريتانى يؤدى فى الواقع ضريبة عن دخوله للمجال الترابى الخاص بهذه البلدان الغربية.
ث- مراجعة اتفاقيات الشراكة بين بلدان المغرب العربى والاتحاد الأوروبي، بخاصة أنها فى الوقت الحالى تؤدى إلى مضاعفة سوق البطالة وازدياد معدلات الفقر. فسياسات فتح الأسواق وتحرير الأسعار ستؤدى إلى خسارة %3 بالمائة من دخله الوطنى الخام فى أفق سنة 2012، أى ما يمثل بين 600 مليون-700 مليون يورو من حقوق الجمرك المستخلصة اليوم.
ذلك أن مراجعة اتفاقيات الشراكة غايتها الأساسية حماية النسيج الصناعى المحلى من التداعيات المدمرة على سوق الشغل ودخل المواطن من جراء فتح الأسواق الوطنية على مصراعيها أمام شركات أجنبية، لا تملك صناعتنا وشركاتنا أى فرصة للمنافسة أمامها بتاتا.... وكما يظل الهدف منه أيضا حماية بعض القطاعات الاقتصادية المهددة " النسيج، الزراعة القروية..." وتوفير بعض العائدات العمومية الحالية. وبالتالى إن إعادة تطبيق حقوق الجمرك أو على الأقل وقف التقليص فيها حول بعض المنتوجات، يمكن من توفير ما بين 200-300 مليون يورو فى الخزينة العامة.
والحال أنه يمكن فى وضع تونس عبر تطبيق إجراءات مماثلة أن تستفيد الدولة فى مجال قطاع السياحة من عائدات تبلغ 112 مليون يورو " 25 يورو فى المعدل العام عن كل سائح مضروبة فى مجموع 4،5 مليون سائح"، كما استخلاص ما بين 150 مليون يورو - 200 مليون يورو كنتيجة منطقية من وقف الإعفاء الضريبى حول بعض الواردات التى تمثل خطرا على بعض المنتوجات المحلية "الصناعات النسيجية المحلية".
والواقع أن هذه الخطوط العريضة ستكون أكثر قوة فى حالة تبنيها من قبل دول بلدان المغرب العربى مجتمعة، بخاصة من منظور اقتصادى متكامل إذا رغبت دوله أن تقضى على "البطالة، الأمية والفقر" قبل أن ينضاف إليها خطر ندرة الماء بالنسبة للعديد من المواطنين. فى حين إن مشروع خصخصة الماء الذى ينادى يه البنك العالى منذ 1990، بخاصة تفويض جميع قطاعات خدمات الماء واستغلالها من قبل شركات خواص بالكامل، لا نرى فيه خيرا مطلقا أو شرا مطلقا.ً