مدخل لعلم الجغرافيا

مدخل لعلم الجغرافيا



1.1 نبذة عن تاريخ الجغرافيا
يعود علم الجغرافيا إلى عهد قدامى الإغريق الذين استمدوا كثيرا من معارفهم الجغرافية من الفينيقيين. وقد اتسعت معارف الإغريق الجغرافية بعد القرن الثامن قبل الميلاد نتيجة لانتشار المستعمرات والمراكز التجارية الإغريقية في حوضي البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود.
كريستوف كولومب
 
يعتبر سترابو وبطلميوس أبرز الجغرافيين اليونان إلى أن برز العرب على مسرح التاريخ العالمي فعرف علم الجغرافيا عصرا من عصوره الذهبية تألقت في سمائه كوكبة من النجوم الساطعة ضمت ابن خرداذبه والمقدسي وابن حوقل والإصطخري والإدريسي وغيرهم ممن جابوا الأقطار وطافوا في الأمصار واصفين مشاهداتهم وانطباعاتهم و واضعين الخرائط والمصورات الجغرافية التي تعد معلما بارزا على طريق تطور هذا العلم. وأخيرا كان عصر الاستكشاف في أوروبا, فطاف دياز حول رأس الرجاء الصالح (عام 1488), واكتشف كولومبس أميركا عام1492 واكتشف جون كابوت كندا عام 1497 واكتشف ماجلان المضيق الذي يحمل اسمه في أميركا الجنوبية عام 1520، و بعد ذلك تطور علم الجغرافيا, بفضل عدد من المستكشفين والرواد, بخطوات متسارعة.
و من العلوم المتطورة عنها الجغرافية السياسية ( Géopolitique) و الجيومورفولوجيا و التهيئة القطرية و استصلاح الوسط الطبيعي الخ...

1.2 التعريف الحديث للجغرافيا عند العرب
ابن بطوطه
 
يعرف العرب الجغرافيا في معاجمهم كما يلي , "هي علم يصف سطح الأرض ويدرس توزيع الحياة النباتية والحيوانية والبشرية وآثار النشاط الإنساني في مختلف بقاع الأرض". كما يقسمون الجغرافيا إلى قسمين رئيسيين: "الجغرافيا الطبيعية والجغرافيا البشرية. تعنى الجغرافيا الطبيعية بدراسة تضاريس الأرض, وتبحث إلى جانب ذلك في مناخ المناطق المختلفة, وفي الحيوانات والنباتات المتوطنة فيها. أما الجغرافيا البشرية, وهي أقرب شيء إلى علم الاجتماع, فتدرس توزع السكان, وعلاقة الإنسان ببيئته, وأثر تلك البيئة فيه. وعلى هذا الأساس كان طبيعيا أن تنقسم الجغرافيا البشرية, بدورها, إلى جغرافيا سياسية, وجغرافيا اجتماعية, وجغرافيا اقتصادية".

1.3 تطور علم الجغرافيا
لم تعد الجغرافيا مجرد علم يهتم بوصف الظواهر وصفا سطحيا بعيدا عن الواقع بل أصبحت ذلك التخصص الذي يتماشى والتطور العلمي الحديث المعتمد على التحليل والقياس والربط واستخدام النماذج والنظريات الحديثة وبذلك سارت في الاتجاه التطبيقي الذي يعرف اليوم بالجغرافيا الكمية والجغرافيا التطبيقية التي ترفض أن تستمر بعيدا عن الاهتمامات الكبرى للإنسان وذلك لما تمتاز به الجغرافيا من قدرة على التأقلم مع مختلف العلوم فهي تمثل همزة وصل متينة بين هذه العلوم و هي تسخرها جميعا لخدمتها و تأخذ منها ما يخدمها و يميزها عن غيرها و قد شهدت السنوات الأخيرة تحولات كبيرة في المنهج الجغرافي و المحتوى العلمي و كذلك في الأساليب التي يعتمد عليها في تحقيق الأهداف و الأغراض.
و لعل من أسباب هذه التحولات أيضا ما طرأ على المحتوى البشري من تطور كبير حيث اصبح الجغرافيون يعالجون مواضيع لم تكن بالأمس معروفة حتى وكأن المتتبع لأعمال الجغرافيين يلمس ذلك الاهتمام المتزايد بالتركيز على دراسة الظواهر والمواضيع الطبيعية والبشرية المختلفة بطريقة تختلف عما كانت عليه في الماضي بفضل استخدامهم للوسائل الكمية المتقدمة في أبحاثهم استعانة بالإحصاء والإعلام الآلي والرياضيات والنماذج والهندسة والطبيعة والكيمياء ، وكان لذلك التطور في استخدام مثل هذه الوسائل نتائج هامة أسفرت على دفع عجلة الجغرافيا وجعلها علما يتماشى وعصر التكنولوجيا ،حتى أطلق البعض على هذا التحول في استخدام الوسائل والمناهج مصطلح ( الثورة الكمية في الجغرافيا ) ، وهذه الثورة لقيت ترحيبا كبيرا من الجغرافيين لأن للمنهج الكمي مزاياه كثيرة ولعل أ أبرزها و أهمها أن النتائج التي يمكن التوصل إليها تكون اكثر دقة بفضل التحليل العلمي لتسلسل الأحداث وهذا التحليل العلمي الجغرافي يبرز النظم التي أثرت في وجود الظواهر المختلفة التي يتعرض لها الجغرافي بالدراسة ، فهو لا يكتفي بالوصف بقدر ما يعتمد على الأسباب التي أنشأت هذه الظواهر .

1.4 مجالات البحث الجغرافي
حتى تكون الجغرافيا قادرة على تشخيص المشاكل التي تنحصر في إقليم ما، فإنها تقوم بتحديد المجال ، وتشرح العلاقات القائمة بين مختلف العناصر الطبيعية والبشرية مهما تداخلت فيما بينها.
و نتيجة لذلك تعتبر الجغرافيا ذات خاصية متميزة إذ نجدها تضع قدما في العلوم الطبيعية وقدما في العلوم البشرية.
فإذا كانت التصنيفات الحديثة لمواقع العلوم المختلفة قد تمت سنة 1972 و قسمتها إلي ثلاث فئات هي: العلوم التحليلية التجريبية ، والعلوم التفسيرية التأويلية والعلوم النقدية فالجغرافيا من بين العلوم التي تمتلك خواص كل هذه الفئات .
فدراسة المجال الجغرافي تؤكد وجود مكونات كثيرة طبيعية وبشرية مترابطة تتميز بتفاعلات كثيرة تحصل بين هذه المكونات .
وهو ما يجعل دور عالم الجغرافيا فيها حساسا ومهما ولذلك نجد دراسة المجال الجغرافي لا تقتصر على موضوع في حد ذاته أو على ظاهرة دون الأخرى و مع أن المجال الجغرافي يشمل كل الظواهر مجتمعة، فإن دراسة هذه الظواهر تبحث منفصلة مع قياس درجات التفاعل والتعليل والتحليل دون إهمال أي عنصر من عناصر المجال .

1.5 تطبيقات الجغرافيا الطبيعية
تلعب الجغرافيا الطبيعية التطبيقية دورا بارزا في مجالات شتى وذلك بالاعتماد على مختلف الأعمال الميدانية التي يقوم بها الجغرافي نفسه، وكذلك اعتمادا على مختلف العلوم ذات الصلة الترابطية بالجغرافيا الطبيعية، كعلم الطقس و البيولوجيا ،والهيدرلوجيا والكيمياء ،والجيولوجيا و هذا ما جعلها لدى الغرب تنفرد بتسمية الجيومرفلوجيا.
فالجيومرفلوجيا (وهي إحدى فروع الجغرافيا الطبيعية البحتة) تدرس مظاهر سطح الأرض من حيث النشأة والتطور بأشكالها وتشكيلاتها علما بأن هذه الظواهر تنتج عن عمليات و أحداث جيولوجية و مناخية و حيوية منها القديم و منها الحديث و الحالي تقتضي الدراسات الجيومرفلوجية لأي ظاهرة أن يكون العمل الحقلي هو الوسيلة الأولى مرورا بثلاثة مراحل أساسية هي :
1.  مرحلة المشاهدة و الوصف والتسجيل
2.    مرحلة الفحص والتعليل
3.    مرحلة التحليل و المقارنة ،حيث تتم عملية الربط بين مختلف المعطيات المتوفرة.
ينتج عن المراحل السابقة تشكيل بنك معطيات يعتبر وثيقة علمية أساسية لمن أراد أن يقوم بعملية استصلاح في الأوساط الطبيعية ،وبدون هذه الوثيقة لا يمكن أن تكون لأي دراسة تهدف إلى استصلاح منطقة أو إقليم ما أهمية كبيرة بل قد يصعب تطبيقها.
إن هذا النوع من الدراسة التي يقوم بها الجغرافي الطبيعي خاصة في الجيومورفولوجيا تسمح لنا بتحديد و معالجة بعض المظاهر الطبيعية السلبية التي تتعرض لها سفوح الأقاليم كالتعرية والانجراف أو ما ينتج عن علاقتها بالإنسان ونشاطاته كالزراعة والرعي أو تدهور الغطاء النباتي والتصحر وطريقة استغلال المياه الخ.. ،و لهذا من أجل حماية التربة من الانجراف و حماية السفوح من التعرية أو الوقاية من التصحر فإننا بحاجة إلى دراسة طبيعية تضبط لنا دور الغطاء النباتي الطبيعي و دور التشجير والمدرجات على السفوح ودور مصدات الرياح والأسوار الحجرية وغيرها من ا لعمليات التقنية التي تحد من عوائق تدهور و تراجع الأرضي الزراعية وتقهقرها حتى تسترجع المنحدرات والسفوح مكانتها البيئية و الاقتصادية ،كذلك الحال بالنسبة للموارد المائة خاصة السطحية منها حيث تحدد لنا نظام الشبكة المائية (réseau hydrographique) في أي إقليم بما في ذلك الحدود الدقيقة لأحواض التجميع التي على أساسها تبنى السدود مع الأخذ بعين الاعتبار كميات الأمطار وتضاريس الإقليم ودرجة انحدار السطح و هشاشة التربة و صلابة صخور الخ.. أي التحكم العقلاني في إمكانات و عوائق الوسط الطبيعي.
وهكذا تأخذ الجغرافيا الطبيعية التطبيقية في الربط بين الجيومورفولوجيا والمناخ الذي يمثل أيضا رافدا أساسيا من روافد الجغرافيا الطبيعية ،فالمناخ الذي كاد أن يصبح علما قائما بذاته يتخصص فيه الجغرافيون بعد مرحلة التدرج ليتمكنوا من معرفة التحليل المعمق لمعطيات الرصد الجوي بالنسبة لجميع العناصر من حرارة وإشعاع وتساقط ورطوبة وغيرها ، ويربط نتائج دراسة كل هذه العناصر بالسطح والكائنات الحية فيه(الإنسان والحيوان والنبات).
ومما سبق ذكره فإن الجغرافي يستطيع أن يقوم بالدور لأساسي في تنظيم المجال وهيكلته والتحكم فيه كجزء لا يتجزأ من التنمية الوطنية المتسارعة و منها الدائمة.
تعليقات