سياسة التنمية الإقليمية ودورها في نشوء المستقرات البشرية وتطورها

تؤدي سياسة التنمية الاقليمية دوراً فعالاً في نشأة المستقرات البشرية وتطورها . وذلك بسبب اختلاف موارد الاقليم وآمكانياتها ، ومن ثم اختلاف معدلات النمو من اقليم الى آخر . فضلاً عن ظهور مشكلة الفوارق بين مستويات التنمية الاقتصادية والاجتماعية للاقليم . أذ يأتي دور سياسة التنمية الاقليمية من خلال وضع سياسة فعالة تمكن المخطط من أزالة الفوارق المكانية بين الاقاليم وضمن الاقليم الواحد . اذ يمكن تحقيق ذلك بأتباع السياسات التنموية الاتية :-


1- الاستخدام الافضل للموارد المتاحة حسب التطورات الحديثة في التخطيط المستديم وايجاد توازن للجوانب البيئية .

2- أقامة نشاطات اقتصادية فعالة تبعاً للامكانيات المتاحة .

3- التركيز على البنى التحتية وتطويرها . اذ تعد هذه البنى العنصر الاساسي في نجاح الكثير من انماط التنمية المكانية .

4- استخدام الاستراتيجيات والاساليب التخطيطية لايجاد مناطق وظيفية بعيدة عن مناطق التركز السكاني الاساسية .

5- استخدام الاساليب لغرض وضع سياسة استقرار السكان من خلال الحد من الهجرة غير المخططة سواء باستخدام القوانين و التعليمات أو عامل الميزانية كلا حسب أيديولوجيته.

ومن هذا المنطلق فقد جاء هذا البحث لتقديم تغطية نظرية لموضوع سياسة التنمية الإقليمية ودورها في نشوء المستقرات البشرية ، ليكون بين يدي المهتمين باختلاف فئاتهم .



المبحث الأول : الإقليم والإقليمية:

1-1 مفهوم الإقليم والإقليمية :

1-1-1 مفهوم الإقليم :

ويورد الكتاب والباحثين تعاريف عديدة للإقليم من بينها التعاريف آلاتية:

-1 انه أداة تحدد على وفق غرض ومعيار معين .وهو يمثل منطقة جغرافية متقاربة تشمل مجموعة من المجتمعات المحلية بأحجام سكانية وصفات جغرافية متقاربة إلى حد ما (الصقور،1986 ، 120).

-2 بينما يرى (Keeble) بان الإقليم عبارة عن مساحة محددة من الأرض تتميز بصفات معينة تنفرد فيها عن باقي المساحات أو المناطق المجاورة وهذه المميزات يمكن أن تكون عمرانية أو اقتصادية أو اجتماعية (Keeble, 1969,46-47).

-3 هو مكان محدد أو قطعة متميزة من الأرض ،ولا تعني شيء آخر خلاف ذلك،إلا إذا أضيفت أليها صفة أخرى تعطيها مفهوما آخر ،فقد يكون الإقليم مناخيا ، نباتيا ، تضاريسيا، طبيعيا (يشمل الموقع والتضاريس والمناخ والنبات والحيوان…..الخ) ، بشريا ، إداريا أو سياسيا…الخ.(الصقار ، 1969 ، 12).

-4 ويرى ((Richardson بان الإقليم بمفهومة العام منطقة جغرافية تتمتع ببعض الخصائص المتجانسة والتي تميزها عن غيرها من المناطق الأخرى ((Richardson,1977,53 .

-5 هو مصطلح جغرافي لنوع البيئة ،حيث تكون عناصرها مرتبة بشكل محدد ودقيق وبعلاقات ثابتة ((Borkin, - -, 18 .

-6 مساحة من سطح الأرض تتميز عما يجاورها من مساحات بظاهرة أو بظاهرات أو بخصائص معينة تبرز وحدتها أو شخصيتها وتبعا لكل منهج أو أساس حيث توصف الأقاليم بأنها فيزيوغرافية ، سياسية ، بنائية ، اقتصادية أو ما إلى غير ذلك (السعدي، 1989 ، 19).

-7 ويرى ( الوكيل ، 2000 ، 69-68 ) بان الإقليم على وفق وجهة النظر الجغرافية يعبر عن حيز مكاني به قدر من الخصائص الطبيعية التي تميزه عن غيره . ومن وجهة النظر الاقتصادية فهو ( أي الإقليم ) الذي يتواجد فيه مجموعة من الأنشطة الاقتصادية المتنوعة التي تحقق قدرا من الاكتفاء الذاتي . بينما من وجهة النظر الاجتماعية فأن الإقليم منطقة يتواجد بها عرق أو قومية أو طائفة أو مجموعة دينية أو لغوية معينة . وعلى ذلك فالإقليم بمفهومة الشامل هو حيز مكاني مترامي الأطراف ذو حدود واضحة سواء كانت طبيعية أو من صنع البشر ، يتوافر به قدر كبير من الخصائص البيئية والطبيعية المشتركة ، كما يتواجد به مجموعات اجتماعية متجانسة وأنشطة اقتصادية متكاملة تسكن مجموعة من التجمعات العمرانية ذات الأحجام وترابطها مجموعة من العلاقات المتبادلة .

-8 ويرى ( بحيري ، 1994، 29-28 ) بان مفهوم الإقليم الجغرافي تطور نحو منتصف القرن الماضي وأدلى الكثير من الباحثين بآراء متعددة بيد أنها جميعا تكاد تتفق في القول بان الإقليم الجغرافي هو أي مساحة من سطح الأرض على درجة ما من التجانس والتماثل الناتجان عن ترابط بعض ما يشمله المكان من ظاهرات ايجابية منسقة ، هي دعامة تماسكه الداخلي ، وهذا في نفس الوقت يعطي الإقليم شخصيته المتميزة ، وخصائصه التي تفرقه عما يجاوره من أقاليم ، فالإقليم بهذا المعنى مفهوم ذهني وإطار مرن يحدد في ضوء ما يوضح من حقائق ، وما يبرز من ارتباطات وعلاقات مكانية وسببيه تلقي الضوء على ما هنالك من إمكانات ومعوقات جديرة بالبحث من منظور جغرافي . ويقصد بالعلاقات المكانية مدى التوافق بين مكونات الإقليم من حيث التطابق في توزيع الظاهرات ، وتواقع حدودها كدليل على الصلة بينها . أما فيما يخص العلاقات السببيه ، فيمكن إدراكها على أساس كونها عمليات مستمرة ، من الأفعال وردود الأفعال ، أثرت تطوراتها الغابرة على الصورة الراهنة للإقليم ، والتي هي بدورها ليست سوى لحظة واحدة متغيرة في تاريخ هذا التطور .

-9 الإقليم عبارة عن منطقة تتميز بطابع خاص من التفاعل بين البيئة والإنسان. ومن ثم ، فان كلمة إقليم تعني مكانا محددا أو قطعة متميزة من الأرض ، ولا تعني شيئا أخر خلاف ذلك ،إلا إذا أضيفت إليها صفة أخرى تعطيها مفهوما أخر ، فقد يكون الإقليم مناخيا أو نباتيا أو تضاريسيا أو طبيعيا أو بشريا أو إداريا أو سياسيا ....الخ. وبذلك فان صفة الإقليمية الجغرافية لا تقوم على الظروف الطبيعية أو البشرية كل على حدة،و إنما هي نتيجة لكلاهما معا. ولا تعتبر الدراسة الإقليمية في هذا المفهوم إلا إذا عالجت البيئة والإنسان وهما يتبادلان التأثير والتفاعل ( خير ، 2000 ، 21) .

10- هو أي جزء من سطح الأرض له مساحة وشكل وخصائص تقررها دائرة انتشار السلطة الإدارية المسؤولة عنه، وهو يشير أيضا إلى مساحات واسعة لها إدارة تقع ضمن إدارة الحكومة المركزية ومسؤولياتها تحقيق الرفاهية المتوازنة لكافة الأقاليم ، ودور الحكومة المركزية هو موازنة الصراع على المصالح بين الأقاليم ( Brown and Burrows,1977, 53 ).

11- هو مساحة تكون جميع أجزاءها ذات هياكل اقتصادية متشابهة ،أو تكون ذات عمالة عالية أو اكتفاء ذاتي .أي إن درجة اعتمادها على الأقاليم الأخرى ليست قوية . حيث إن الأجزاء الثانوية للإقليم تكون مكملة بعضها للأخر .وهذا السبب يعود إلى الاختلاف في هياكلها الاقتصادية

يعود السبب وراء تعدد مفاهيم الإقليم (على النحو الوارد في أعلاه ) إلى ما إذا كانت فكرة الإقليم ظاهرة طبيعية ملموسة ( Natural Phenomena ) أو إنها مجرد مركب ذهني(Mental Constrictions) . إذ تبلورت نتيجة هذا الجدال بوجهتي نظر، هي :

الأولى : وجهة النظر غير الموضوعية : وهي ترى بان الإقليم لا يتعدى كونه نموذجا أو فكرة تساعد على دراسة العالم. إذ أنة وسيلة لتصنيف الملامح الأرضية بحسب نوع الحاجة في فكر المصنف. والثانية : وجهة النظر الموضوعية : وترى بان الإقليم حقيقة موضوعية مدركة يمكن تحديدها على الخريطة. وعلى هذا الأساس كانت حصيلة وجهتي النظر هذه تصنيف العالم إلى أقاليم طبيعية استنادا إلى الوحدة المكانية ،والمناخ و النبات( كلايسون ، 1978، 47 ).

وأخيرا ، يرى الباحث ، بان مفهوم الإقليم ما هو الا بعد مكاني وظيفي، واسع بما يكفي لقيام علاقات وظيفية فيما بين مستقرات بشرية متعددة ومتنوعة ، وبما يكفي لنشؤ وتطور أنشطة اقتصادية متعددة ومتنوعة ، ولذلك يتحدد الإقليم بنطاق تأثير zone of influanis و يعبر عن العلاقات الوظيفية المتبادلة فيما بين مكوناته ، لذلك لا يمكن اعتبار المنطقة التي لا يوجد فيها سوى مستقرة واحدة ، إقليما ، ولا يمكن اعتبار المنطقة التي فيها نشاط اقتصادي واحد، إقليما، لان مثل هذه الأحوال لا تؤدي سوى لتطور وحيد الجانب تكون أفاقة المستقبلية محدودة ، فالاعتماد والاعتماد المتبادل هو علاقة وظيفية ، وهو أساس عملية التأقلم Regionalization.

تعليقات