الدينامية المجالية للدار البيضاء


الدينامية المجالية للدار البيضاء
 


تعتبر الدار البيضاء متروبولا حضريا كبيرا بالمغرب يحضا باستقطاب وطني كبير يدفع بمجاله نحو التوسع في اتجاهات مختلفة رسمية أو ناتجة عن إرادة الرأسمال
الخاص.
فهدا النص الذي بين أيدينا يطرح مظاهر التوسع الحضري لمدينة الدار البيضاء الذي يسلك اتجاهات تختلف حسب الجهات المحتضنة لهدا التوسع.
1) التوسع الرسمي للمدينة:
يتجلى هدا التوسع الرسمي في الاتجاه نحو الشمال الشرقي الموروث عن فترة الاستعمار الفرنسي المراد منه خلق محور حضري يربط بين جنوب المحمدية والشمال الشرقي للدار البيضاء في الإطار العام الرامي إلى تكوين محور صناعي كبير بمحاذاة المحيط ينطلق من الدار البيضاء نحو القنيطرة.
ادا كان هدا التوجه الرسمي قد أملته الريادة الاقتصادية للدار البيضاء خاصة في ميدان الصناعة إلا انه في بادئ الأمر كان عبارة عن مبادرة للرأسمال الخاص المرتبط بالتصنيع. ومع تزايد الأحياء الهامشية المحيطة بالمجال الصناعي لعين السبع وبروز الصناعة كأولوية إستراتيجية للدار البيضاء أصبح من اللازم مسايرة هدا التوجه من طرف الدولة بعد أن كان الاتجاه في الطريق التجاري لمديونة هو الاتجاه الرسمي للمدينة أيام كانت ترتكز على التجارة كنشاط اقتصادي أساسي.
أ‌- طبيعة التوسع: 
إن دور الصناعة في التوسع نحو الشمال الشرقي يتجلى في وجود الحي الصناعي الممتد على طول الساحل الاطلنتي انطلاقا من النواة الأولى في الصخور السوداء ليتوسع بعد دلك في اتجاه عين السبع. و بجواره تمتد مجموعة من التجمعات السكنية العمالية في عين السبع وسيدي البر نوصي.
ب‌- الحصيلة و الآفاق :
لم يحضا التوسع نحو الشمال الشرقي باهتمام الخواص رغم ما وفرته الدولة من تجهيزات وامتيازات. بل ثم التوجه نحو محاور أخرى معاكسة للتصاميم الحضرية وقد تعددت أسباب هدا النزوح للرأسمال الخاص فمنها ما هو سياسي ومنها ما هو اقتصادي فالدولة رغم جعلها هدا الاتجاه رسميا إلا أنها ساهمت بطريقة أو بأخرى في عدم إتمام هدا المخطط وهنا أيضا يدخل تضارب المصالح السياسية والاقتصادية التي جعلت التوسع يتم في اتجاهات أخرى رغم ما يشوبها من نقص في التجهيزات. 
و مؤخرا تم إطلاق مشروع زناتة بتجهيز البقع وعرضها للبيع. و كانت الغاية من وراء هدا المشروع هو إعادة الاعتبار لهدا الاتجاه لإكمال الربط بين الدار البيضاء و المحمدية.
2) التوسع نحو الجنوب :
إن العزوف عن التوسع نحو الشمال الشرقي الذي تحتضنه الدولة قابله نزوح نحو الجنوب من طرف أصحاب المبادرة الخاصة في إطار بعض الصناعات و الأحياء السكنية للفئات الوسطى انطلاقا من المركز في اتجاه لساسفة وسيدي معروف.
و يدخل هدا التوسع في تكوين أحياء سكنية بالهوامش إما لإعادة إسكان قاطنة الأحياء المهددة بالانهيار – المدينة القديمة – كحي النسيم و أحياء سكنية موجهة للفئات الوسطى.
لم تمنع الطبوغرافية الغير ملائمة لهده المجالات – وجود واد بوسكورة – من إن تدخل ضمن المجالات الأكثر توسعا في الآونة الأخيرة و رغم ما يشوب هده المجالات من نقص في التجهيزات فمثلا سيدي معروف بني على شكل مكعبات الواحدة تلوى الأخرى دون التركيز على ضرورة وجود مساحات خضراء بالشكل الكافي وهدا كله يرجع إلى غياب التصميم الحضري والى بحث للمستثمرين عن الربح مما يخلق مشاكل تتفاقم مع الزمن.
3) محور الفئات الشعبية : 
ياخد هدا المحور اتجاهه نحو الشرق انطلاقا من المركز و بالتحديد من بن جدية ويتفرع إلى فرعين أساسيين فرع يتجه إلى سيدي مومن و فرع آخر يتجه إلى السالمية.
v فرع سيدي مومن :
يمر عبر لاجيروند ومجموعة من الأحياء الشعبية أهمها عين برجة الحي المحمدي المسيرة بورنزيل وسيدي مومن. كما شهدت هوامش هدا المحور دينامية كبيرة في الآونة الأخيرة في إطار تشييد أحياء للسكن الاقتصادي و الاجتماعي كحي الأناسي و حي النهضة و مشروعي حي الأمان و رياض البرنوصي.
v فرع السالمية :
يمر هدا الاتجاه بعدة أحياء شعبية أهمها حي الاحباس الذي بناه ليوطي على الشكل الإسلامي ليكون بمثابة حي تاريخي للدار البيضاء على غرار باقي المدن المغربية العتيقة. و درب السلطان بوشنتوف درب الفقراء القريعة هده الأحياء تعرف اكتضاضا كبيرا من السكان نظرا للرواج التجاري الكبير الذي يعرفه درب السلطان مما يوفر فرصا للشغل و إن كانت غير قارة كما تعرف هده الأحياء وضعية عمرانية متدهورة حيث تكثر بها الدور الآيلة للسقوط أو التي سقطت أصلا وما يزيد الطين بلة هو الاستغلال المفرط للسطوح حيث تغطى بالقصدير ويتم كرائها وهدا ما يزيد الضغط على سكن يعتبر أصلا غير لائق.
كما يمتد هدا المحور على بين المدن و عين الشق و سيدي عثمان و ما يجدر الإشارة إليه هو أن رغم المجهودات المبذولة من طرف الدولة للقضاء على سكن الصفيح إلا انه ما يزال ينتشر في بعض مناطق سيدي عثمان. وينتهي هدا المحور بقرية الجماعة و السالمية.
و ضمن هدا المحور أيضا يتفرع فرع آخر ينطلق من درب الكبير مرورا بحي الفرح والسلامة في اتجاه حي مولاي رشيد.
4) محور الفئات الميسورة: 
يتجلى في سكن الفيلات الذي يتخذ اتجاهين أساسيين : 
v الاتجاه نحو الجنوب الشرقي :
ينطلق هدا الاتجاه من المركز و يمر عبر مرس السلطان و المستشفيات و ليتسع أكثر في الواحة و بولو و الكريمات لينتهي بكاليفورنيا.
و ما يلاحظ في هدا المحور هو تحول بعض الأحياء القريبة من المركز– مرس السلطان و المستشفيات – إلى التوسع العمودي و دلك يرجع إلى الضرورة الملحة في تكثيف استغلال المجال في منطقة لم تعد تتوفر على مجالات شاغرة للتوسع الأفقي و أيضا ارتفاع قيمة هده الأحياء.
v الاتجاه نحو الجنوب الغربي :
كان سكن الفيلات في بادئ الأمر سكن مخصص للأوربيين مند بداية القرن العشرين و الذي توسع فيما بعد في اتجاه الجنوب الغربي انطلاقا من ليزوتانيا عبر غوتيي راسين و برغون وأنفا في اتجاه عين الدياب.
و ما يلاحظ على سكن الفيلات هو استغلاله للمجال بشكل مفرط حيث تضيع مساحات كبيرة في الحدائق و المسابح و أمور أخرى ترفيهية عكس سكن العمارات و السكن الشعبي وهدا يظهر انطلاقا من النظرة العامة للأحياء حيث تكون أحياء الفيلات مشتت المساكن و يطغى عليها طابع الاخضرار و أحياء العمارات تبدو متلاصقة تغيب فيها الفراغات. كما يتبين لنا هدا انطلاقا من الكثافات السكانية حيث ترتفع في الأحياء الشعبية بينما تنخفض في أحياء الفيلات. 
خلاصة:
إن المدار الحضري للدار البيضاء عرف مند بداية القرن العشرين توسعا على شكل نصف دائري يتمحور حول المركز الذي لا يمكن فصل توسعه عن توسع الهوامش التي جاءت كتكملة لتوسعه.ولعل ما يوضح لنا دلك هو تخطيط الطرق التي جاءت على شكل نصف دائري تحوم حول المركز وعلى شكل إشعاعات في اتجاهات الهوامش. 
وقد عرفت الدار البيضاء تقسيما عمرانيا و اقتصاديا متباينا تجلى ف تخصص الشمال الشرقي في الصناعة و الأحياء الشعبية المغذية للمصانع و تخصص الجنوب الغربي و الجنوب الشرق في سكن الفئات الميسورة و سكن الفئات الوسطى و بعض الصناعات و الخدمات. و تنتشر أحياء الفئات الشعبية في الشرق.
دون الإغفال عن تواجد تداخل بين مختلف الفئات الاجتماعية في معظم الأحياء وهدا ما زكاه التقسيم الإداري للمجال الحضري في إطار تذويب الفوارق الاجتماعية.
إن المد والجزر بين تدخل الدولة بشكل مباشر في المشاريع السكنية و إفساح المجال أمام المبادرة الخاصة لم يمنع من إضفاء نوع من التكامل بين الدولة و الرأسمال الخاص فالدولة و إن كانت لا تشكل فاعلا مباشرا في بعض الأحيان إلا أنها تقوم بدور التاطير والهيكلة.
تعليقات