مقدمة في الجغرافيا البشرية

مقدمة

إن مصطلح الجغرافيا يعود إلى عهد الحضارة  الإغريقية  فهي كلمة يونانية مكونة من جزأين , الجزء الأولΓEW   ويعني الأرضGéo  والجزء الثاني GRAPHIE غرافيا وتعني الكتابـة أي الكتابة عن الأرض[1]  ومع مرور الزمن وتقدم العلم  والمعرفـة انقسمت الجغرافيا إلى فرعين أساسيين وهما الجغرافيا الطبيعية والجغرافيا البشريـة  ويطلق مصطلح الجغرافيا البشرية على مجموعة فروع  الجغرافيـا البشريـة التي  تهتم بدراسة الإنسان كعنصر من عناصر البيئة الطبيعية أو مكون من مكوناتها كما تهتم بدراسة نشاط السكان وتأثيرهم في البيئة الطبيعية سواء كانت بالسلب أو الإيجاب للوقوف على الظاهرات الجغرافيـة التي أوجدها الإنسان على سطح الأرض نتيجة التفاعل والتأثير المتبادل بين الإنسان والبيئة الطبيعية .
منذ ظهور الإنسان وتطور الجنس البشري وانتشاره على وجه الأرض وازدياد عدده واكتشافه للمجال بحثا عن الأراضي الصالحة والمشجعة على الاستيطان البشري سواء السهول أو المنخفضات  أو المرتفعات , الحارة والباردة , المغطى بالنباتات أو المقفرة ولكن بدرجات متفاوتة الكثافة  تبعا لمدى قدرة البيئة على العطاء من جهة ومدى قدرة الإنسان على استغلال البيئة الطبيعية .
هذه البيئات المختلفة المناخ والتضاريس كدرجـة الاستواء والتموج والارتفاع والانخفاض عن مستوى سطح البحر , والبعد والقرب عن سواحـل البحـار  والمحيطات أدت إلى اختلاف نمط الحياة بين هذه البيئات , وانقسم الإنسان إلى سلالات وأجناس تطبعت ببيئاتهـا المميزة واكتسبت خصائص جسما نية ولغوية وسلوكية انتقلت بالوراثة والهجرة إلى نسله , مما أدى إلى ظهور جـغـرافيـة الأجناس أو السلالات البشرية التي تنقسم إلى المجموعات الآتية

جغرافية الأجناس أو السلالات:

 1 - المجموعة القوقازية  
  وتتركز هذه المجموعة في أوروبا وشمال إفريقيـا وجنوب  آسيا  ومنها سلالة البحر المتوسط والسلالة النوردية والسلالة الألبية والسلالـة الأناضولية
 2 - المجموعة الزنجيـة   
  وتنتشر هذه السلالة في وسط وجنوب القارة الإفريقيـة ومن أهم سلالاتها البانتو والأقزام والبوشمن والنيليون .
3  -المجموعة المغولية
  وتنتشر هذه السلالة في قارة آسيا خاصة شرق آسيا وآسيا الوسطى ومن أهمها  المغول واليابانيون والأتراك والإسكيمو والكوريون والتبت والهيملايا والهنود الأمريكيون والسلالة الأندنوسية الملاوية , وسكان استراليـا الأصليون وجماعات الميلانيزية والبوليزية الذين يعيشون في جزر ميكرونـيزيـا وبولينيزيا بالمحيط الهادي , هؤلاء يصنفون باسم المجموعة الأسترالية وهم أجداد اليابانيون الأوائل[2] .
 وهذا الفرع  من فروع الجغرافية البشرية  قل الاهتمام به في الوقت الحاضر   وتهتم به  تخصصات أخرى كعلم الإجتماع وعلم الآثار .
 ومع ازدياد عدد السكان  ازداد احتياج الإنسان إلى الأرض التي يعتمد عليها في رزقه ومعاشه , وبدأ التنافس على الأرض والثروة فأدت هذه الظاهرة إلى تجمع السلالات البشرية وفروعها في أقاليم معينة داخل حدود محددة المعالم فتكونت وحدات صغيرة بكل إقليم تسمى الدول  أو الأمم , فظهر فـرع من فـروع الجغرافيا البشرية يسمى الجغرافيا الإقليمية والجغرافيا السياسية وحتى هذا النوع قل الاهتمام به في الوقت الحاضر  لوضوح معالم الدول وتصفية الاستعمار, وهذه الأمم ليس من الضروري أن تكون بينها رابطـة اللغـة أو الدين أو العـادات والتقاليد ولكن تجمعها رابطة الحدود الوطنية والمصالح المشتركـة .
ونظرا لتقدم طرق النقل والإتصالات أدت إلى تقلص المسافة الفاصلـة بين الأمم فسهلت سرعة اتصال الإنسان بأخيه الإنسان مما ساعد على سرعة تحرك وانتقال الإنسان والسلع والخدمات وتقلص تباين الأجناس أو السلالات البشريـة واختلاطها في بعض الدول ولم يعد هناك جنس صافيا وبعد ظهور ونشأة  فكرة الأمم والحدود السياسية تقلصت التحركات الميكانيكية للسكان بين الدول وتحولت التحركات بصور متفاوتة إلى داخل الدولة نـفسها فازداد تركز السكان في المساحات المشجعـة على الاستيطان وممارسـة النشاط الاقتصادي وتشتتهم في مناطق وندرتهم في مناطق أخرى فنشأ نوع آخر مـن التجمعات السكانية تختلف في درجة كثافتها عن الأماكن التي تتصـف بندرة وتشتت السكان والسكن ومن هنا ظهرت جغرافية المدن التي تعالج نشأة المدن ونموها وأنواعها وأشكالها ومظهرها ووظائفها , كما ظهـر الاهتمام بالعمران الريفي والعلاقة بين المدينة والريف وغيرها من المشاكل الحضرية - الريفية .
وبقيام المدن وارتفاع درجة التركز بها ظهر التباين والاختلاف بين المناطق الريفية والحضرية  , كما ظهر نوع من التخصص في نمط النشاط الاقتصادي وتباين نمط الحياة وأسلوب العيش فظهرت الجغرافيا الاقتصادية التي تتناول جهود الإنسـان وطرق استغلاله للبيئة الطبيعية والبشريـة وحتى هذه انقسمت الى عدة فـروع كجغرافية الموارد الاقتصادية وجغرافية الصناعة وجغرافية الزراعة وجغرافيـة النقل وجغرافية التجارة .
ومع  مرور الزمن ازداد  حجم السكان وارتفعت معدلات النمو السكاني نتيجة ارتفاع مستوى المعيشة وتوفر الخدمات الطبيـة والرعايـة الصحيـة فارتفعت معدلات البقاء على قيد الحياة عند الميلاد في الدول الناميـة من 41 سنة عام 1950 إلى 46 سنة عام 1960 وقفزت إلى 63 سنة عام 1990 [3] مما أدى إلى ارتفاع حجـم ونمو السكان  وتباينت كثافـة النمو السكاني والاستيطان البشري سواء عبر الدولـة الواحدة أو حسب الأقاليم والمناطق أو حسب درجـة التقدم , كمـا تباينت كيفية ونمط استغلال البيئة الطبيعية فازداد عدم التوازن في مختلف المجالات سواء حسب القارات أو الأقاليم  أو بين الدول وحتى حسب الوحدات الإدارية والإقليمية للدولة ولما كانت خريطة التوزيع الجغرافي للسكان من أهم الخرائط التي توضح العلاقـة بين السكان والبيئة الطبيعية والموارد الاقتصادية ظهرت جغرافية السكان كفرع من فروع الجغرافية البشرية [4] للمساهمة في إعادة بناء وإعمار ما خربته الحرب العالمية الثانية ,  كما ظهر في نفس الوقت  علم السكان أو الديموغرافيا مما حدى ببعض الكتاب إطلاق مصطلح الجغرافيـا البشرية على جغرافية السكان لتمييزها عن علم السكان .
مما سبق يتضح حداثـة فرع جغرافية السكان الذي ذاع انتشاره إلى جـانـب التخطيط والتنمية الاقتصادية خلال الخمسينات , ويقول (DANIEL  N.) بأن التحول الكبير في جغرافية السكان حدث في بداية الخمسينات وتوسعت في السبعينـات حتى أصبحت نسبـة الإصدارات في جغرافيـة السكان في المؤتمرات والمجلات المختصـة  تمثل (12%) من مجموع الأعمال في الجغرافيـا بالولايات المتحدة الأمريكيـة [5] .
 ويعود الإهتمام الكبير بالسكان لما لأهمية الخرائط السكانية والموارد البشرية في مختلف الميادين , فالسكان قوة اقتصاديـة (قوة عاملة وسوق استهلاكيـة) وعسكريـة وسياسيـة مما أدى إلى زيادة الاهتمـام بالسكان ديموغرافـيـا وجغرافيا لاستخدامها في التخطيط للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.   

عوامل تأخر ظهور جغرافية السكان :

لقد ساهمت عدة عوامل في تأخر ظهور هذا النوع من فروع الجغرافية البشرية و من أهما :
احتياج جغرافية السكان إلى البيانات والمعلومات الإحصائية الدورية والدائمة ففي عام 1955 بلغت نسبة   سكان العالم الذين تغطيهم الاحصائيات الحيوية(52 %) و تنخفض في إفريقيا إلى  36.7 % فقط[6] , بينما بقيـة فروع الجغرافيـا  تعتمد  على الملاحظة والدراسة الميدانية أو التجارب المعمليـة لإجراء مختلـف الدراسات للظواهر المراد دراستها .

 *1
كما أن الإنسان كتلة بشرية حية  تنمو وتتحرك باستمرار عبر الزمان والمجال الجغرافي أفقيا وعموديا لا يمكن متابعته بالملاحظة أو وضعه تحت التجربة المخبرية  لوضع قواعد ونظريات سكانية خاصة في مجال  التفاعل بين الإنسان والبيئة الكلية 

2 *
 الإنسان دائما في حالة تغير ويحتاج إلى بيانات متجددة بخلاف بقيـة فروع الجغرافيا كالجيومورفولوجيا- أشكال السطح- والمناخ وجغرافية المدن والنشاط الاقتصادي .

3*
 دراسة السكان تتطلب المتابعة المستمرة , فهي بحاجة إلى إمكانيات ماديـة وعلمية تتعاون في دراسـة الإنسان كعلم الوراثـة وعلم البيئـة والديموغرافيا والإحصاء والأنثروبولوجيا  وعلم الاجتماع والاقتصاد والتاريخ وفروع الجغرافيا حتى يمكن فهم وتحليل التفاعلات والعلاقة بين الانسان والبيئة الطبيعية والبشرية والاجتماعية .

4*
 منافسـة علوم أخرى لها علاقة كبيرة بموضوع السكان كعلم الاجتماع والديموغرافيا المنافس الأول   لجغرافيـة السكان حتى اختلط في أذهان الكثير من الدارسين مفهوم ومجال جغرافية السكان وعلم   السكان مع أن الديموغرافيـة لا تهتم بالتوزيع الجغرافي للسكان والعلاقة بين الإنسان والوسط الطبيعي.  
 فالديموغرافيا تركز على تحليل حجم ونمو وتركيب وحركة السكان معتمد  على  الأساليب الرياضية  والإحصائية , بينما جغرافيـة السكان تقوم بدراسة  وتحليل المواضيع السابقة الذكر مستفيدة منالطرق والأساليب الديمو- إحصائية وتفسير العلاقة والتأثير المتبادل بين الإنسان والبيئة الطبيعية والبشرية , كما تمتاز بالتمثيل والتعبير الكارتوغرافي عن الظواهر السكانية .

5 *
مع تطور العلم والمعرفة وبروز التخصصات الدقيقة وتعميم نظام العد السكاني  والسجلات الحيوية في العالم خاصة بعد الستينات , إذ أصبحت أغلب دول العالم لديها تعدادات سكانية وسجلات حيوية فوجدت جغرافية السكان المادة الأولية لدراسـة السكان , ويعود الفضل في هذا إلى قسم الدراسات السكانيـة بالأمم المتحدة الذي مد يد العون - المادية والفنيـة - للدول الحديثـة العهد بنظـام الإحصاء السكاني  وجميعها دول سائرة في طرق النمو , علاوة على إصدارها كتب وتوصيات التعدادات السكانية والوقائع الحيوية[7] , كـما تقوم بنشر البيانات الإحصائية فى حوليات سنويـة تغطي جميع دول العالم , ديموغرافيـا واقتصاديا واجتماعيا  .
 6*
  وعلى سبيل المثال من أهم المصادر الإحصائية التي تقوم الأمم المتحدة بنشرها بانتظام :
هذه الإصدارات يمكن الحصول عليها بالمراسلة من مكاتب الأمم المتحدة بجنيف أو نيويورك , وتحتوي  بيانات متعددة في مجال الدراسات السكانية والاقتصادية والاجتماعية , يحتاجها الطالب والأستاذ والباحث والموظف والسياسي والعسكري والمخطط الاقتصادي والاجتماعي . 
مفهوم ومجال جغرافية السكان :
توجد تعاريف عديدة لمفهوم ومجال جغرافية السكان وتختلـف بـاخـتلاف المدارس والزمان والمكان ولكن جميعها تتفق بأنها دراسة الغطاء البشري لسطح الأرض والتأثير المتبادل بين الإنسان والبيئة الطبيعية  .
 فالجغرافي الأمريكي تريوارثا(Trewartha )  يرى بأن مضمون جغرافية السكان تركز على فهم التباينات الإقليمية في الغطاء السكاني للأرض والعوامل المؤثرة في هذا الغطاء[8] .
بينما زيلنسكي  (Zelinsky) يعرف جغرافية السكان بأنها العلم الذي يدرس الشخصية الجغرافية للأمكنة وانعكاساتها على الظاهرات السكانية التي تختلف حسب الزمان والمكان  (9) وتركز على الموضوعات التالية :
وصف  توزيع السكان وخصائصهم وتفسير الاختلافات المكانية للظواهر السكانية ويري الجغرافي الأنجليزي كلارك (10) أن جغرافية السكان تهتم بتحليل التـبايـن والاختلافات المكانية لتوزيع وتركيب وهجرة ونمو السكان وعلاقتها بالبيئـة الطبيعية (9).
والجغرافية الفرنسية   ( .J  Beaujeu Garnier ) ترى بأن جغرافيـة السكان هي  دراسة الحقائق والخصائص الديموغرافيـة في بيئتـها (11) وهي بهذا لا تختلف عن زميلها الجغرافي الفرنسي (George P. ) المختص في الدراسات السكانية الذي  يركز على أحداث الإنسان (12) في البيئـة ليؤكد قدرة الإنسان على التأثير في الوسط الطبيعي والتغلب عليه لتلبية احتياجاته ورغباتـه .
ويعرف الجغرافي العربي محمد السيد غلاب جغرافية السكان بأنها دراسة الكتل البشريـة وتوزعها على سطح الأرض وتطور هذا التوزيع حسب الأقاليم من حيث العدد والتركيب  والحركة والنمو وعلاقتها بالبيئـة الطبيعية والبشريـة والاجتماعية (13).
 أما د. فتحي محمد أبوعيانة يقول بأن جغرافية السكان هي ذلك الفرع من الجغرافيا البشرية الذي يعالج الإختلافات المكانية للخصائص الديموغرافية للمجتمعات السكانية والنتائج الإقتصادية الإجتماعية الناجمة عن التفاعل المرتبط بينها وبين الظروف الجغرافية القائمـة في وحدة مساحيـة معينة
(14) ومن فحص مختلف مفاهيم ومجال جغرافية السكان يتضح أن جغرافية السكان تهتم بتوزيع وتطور توزيع السكان عبر المجال والزمان لتحديد كثافة الثقل السكاني حسب الأمكنة ومعرفة مدى التناسب بين السكان والأرض للوقوف على ضوابط توزيع السكان وتحركاتهم الطبيعية والميكانيكية التي تعمل على تغير السكان وتخلق نمط معين من التركيب النوعي والعمري كما تهتم  جغرافية السكان بالتركيب الاقتصادي والاجتماعي وعلاقتهما بحركة ونمو السكان .

[1] Demographic Yearbook
 [2] International Yearbook of statistics
[3]  Internationl Yeabook of Agricultral statistics
[4] International Saummary of Vital statistics
[5] Human development report
[6] World development report  ) since 1978(
[7] Rapport sur le Developpement Humain dans le Monde
[8] Statistical Yearbook of Labour force 
تعليقات