إعداد التراب الوطني: التعريف و التطور
يكتسي موضوع إعداد التراب الوطني أهمية كبرى و ذلك لارتباطه الوثيق بالعديد من المواضيع الآنية، من قبيل اللامركزية، الجهوية، الحكامة، التنمية...، هذه الأخيرة التي فرضت نفسها و بقوة على جميع دول العالم و جعلتها هي بدورها من بين أولى الأولويات التي تحاول جاهدة تحقيقه ا.
و يعتبر الإعداد الجيد للتراب الوطني من بين الأسس التي
تعتمد عليها التنمية في جميع المجالات، و سنتطرق أولا لتحديد مفهوم إعداد
التراب الوطني ، ثم لإدراج تطور مفهوم إعداد التراب الوطني .
أولا: تعريف إعداد التراب الوطني
يعترض محاولتنا لمقاربة مفهوم إعداد التراب الوطني ما
قاله الأستاذ دلوبدير " من السهل تكوين فكرة عما تعنيه عبارة إعداد التراب
الوطني، و من الصعب في نفس الوقت إن لم يكن من المستحيل
إعطاؤها تعريفا أكيدا و متكاملا".1
لكن بالرغم من ذلك سنقف على العديد من التعاريف.
Aménagement du territoireإعداد التراب يقابله بالفرنسية
تعني"الإعداد و التهيئة" Aménagement
territoire تعني" التراب"،
و إعداد التراب مفهوم واسع كل يعرفه بحسب تخصصه،
"فبالنسبة للجغرافيا يعتبر بمثابة إعادة توزيع للموارد الطبيعية و البشرية،
أما الاقتصاد فبالنسبة له فهو وسيلة للتوزيع المناسب للأنشطة الاقتصادية و
للتنمية المحلية و الجهوية "2 و هناك من يجمع بينهما و
يعتبر إعداد التراب هو السياسة الاقتصادية و الاجتماعية
المعقلنة، التي يتبعها الإنسان لاستغلال الموارد الطبيعية و تحسين جودة
المجال أو الوسط الترابي الذي يمارس فيه مختلف أنشطته، و في نفس السياق نجد
الفقيه رولان يعرف إعداد التراب على أنه " علم و فن يهدف إلى تنظيم و
توزيع الفضاء الجهوي و الوطني لمختلف الأنشطة البشرية حسب حاجات الفرد و
الجماعة".
و أما المخطط الخماسي 68-72 فقد عرف إعداد التراب بأنه:
"إعطاء بعد جغرافي لعمليات التنمية الاقتصادية و الاجتماعية أي الوصول إلى
توزيع مجالي للأنشطة التي يمكن معها إنعاش عملية
التنمية..."، و على هذا الأساس يتلخص مفهوم إعداد التراب الوطني في تلك العملية التقنية و الفنية و
السياسية و الإدارية التي تتولى تحقيق تنمية شمولية و متوازنة لجميع المناطق و جهات البلد، و ذلك
بالقدر الذي يخدم في نفس الوقت السكان عن طريق تحقيق توزيع عادل للثروات والأنشطة الاقتصادية و الاجتماعية .3
و بالرغم من تعدد التعاريف التي أعطيت لإعداد
التراب الوطني يبقى الرابط المشترك بينها هو أنه سياسة تهدف إلى الحد من
الفوارق الاقتصادية و الاجتماعية بين مختلف جهات المملكة و إلى تحقيق
التوازن المجالي و العدالة الاجتماعية و ذلك من خلال توزيع أفضل للسكان و
الأنشطة على مستوى التراب الوطني، من أجل التغلب على كل التحديات
الديمغرافية و الاقتصادية و البيئية، مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصيات و
إمكانات كل منطقة.
المطلب الثاني: تطور مفهوم إعداد التراب الوطني
لقد كانت الاختلالات و الفوارق التي عانت منها مختلف
جهات المملكة، و غياب النظرة الشمولية في تخطيط المجال و اختلال التوازن
الذي تتخبط فيه البوادي و المدن و مجموع التراب على مستوى توزيع الساكنة و
الأنشطة...،دافعا أساسيا لتنتبه السلطة المركزية لاتخاذ تدابير و إجراءات
تخفف من حدة تمركز القطاعات الإنتاجية و تنظم التزايد المستمر للساكنة، و
كانت أولى بوادر سياسة إعداد التراب الوطني سنة 1968 مع سياسة التنمية
الجهوية للتخفيف من حدة الفوارق الاجتماعية و
الاقتصادية بين جهات المملكة، و تبلورت في ظل المخطط
الخماسي 1973-1977 مع خلق الجهات الاقتصادية السبعة التي اعتبرت تهيئة
المجال من الأمور الضرورية لتحقيق التنمية و إنجاح الجهوية بالمغرب، و
رسخها المخطط الثلاثي 1978-1980 الذي ركز على ضرورة وضع سياسة لإعداد
التراب الوطني بالموازاة مع وضع تصميم للتهيئة لتحقيق التنمية، ثم عززها
المخطط الخماسي
1981-1985 الذي أضاف القرى و أنجزت تصاميم الهيكلة
القروية للحد من المشاكل التي استفحلت فيه، و تلاه المخطط الخماسي 88-92
الذي أطلق عليه اسم مسار التنمية، الذي ركز بدوره على تهيئة المجال الحضري و
القروي و الجهوي لضمان الاستقرار و التوازن على مستوى توزيع الساكنة و
الأنشطة الاقتصادية و توزيع الثروات و الإدارة و تدبير المجال، إلا أن
فعالية هذه المخططات كانت محدودة بسبب الإختلالات الكبرى التي كان يعاني
منها المغرب بالإضافة إلى ضعف الإمكانيات و اعتماد منهجية قطاعية لم تعطي
أكلها و لم يعرف المجال تطورا ملموسا بل أدى إلى تكريس الفوارق بين الجهات
على مختلف المستويات اقتصادية، اجتماعية،... و بعد ذلك أنجزت مجموعة من
مشاريع إعداد التراب الوطني على الصعيد المركزي و تم تحيينها عدة مرات دون
أن تأخذ مجراها في مسلسل المصادقة و الإنجاز و التطبيق، و مع حكومة التناوب
تم اعتماد سياسة جديدة تتجلى في طرح مسألة إعداد التراب الوطني للحوار و
أطلق عليه الحوار الوطني لإعداد التراب و كان سنة 2000، و انبثق عنه
الميثاق الوطني لإعداد التراب الوطني سنة 2001 الذي يعتبر إطارا قانونيا -
بالإضافة إلى إطارات قانونية أخرى على المستوى الجهوي و المحلي - و توجيهيا
يحدد المعالم الكبرى لسياسة إعداد التراب الوطني و يلخص جميع العناصر
المتولدة عن هذا الحوار، و في نفس الوقت يعتبر هذا
الميثاق أساس التصميم الوطني لإعداد التراب الوطني ( 2001 - 2002 و أخذ شكله النهائي سنة
2003).
و قد شكلت ثلاثية: الحوار – الميثاق – التصميم الوطني
ركيزة متينة تمكننا الآن من إرساء سياسة ترابية واضحة المعالم ستسهل
مأموريتنا، في المرحة المقبلة، في تناول و بلورة التصاميم الجهوية و كذا في
تفعيل مفاهيم اللامركزية و اللاتمركز و الديمقراطية كركائز أساسية اختارها
المغرب لبناء مشروعه التنموي4، خاصة و أن المغرب قد تبنى نظام الجهوية التي تجعل من إعداد التراب الوطني أولى أولوياتها لتحقيق التنمية المستدامة
.
الإختيارات الكبرى لسياسة إعداد التراب الوطني |
||
مقدمة : لتجاوز مشكل
التباين الجهوي ، اتبعت الدولة المغربية سياسة إعداد التراب الوطني فما هو
مفهوم هذه السياسة ؟ و ما هي أهدافها و اختياراتها و توجهاتها المجالية
الكبرى ؟ و ما دور سياسة إعداد التراب الوطني في تنظيم المجال الجغرافي و
تحقيق التنمية ؟
سياسة إعداد التراب الوطني : مفهومها ، اهدافها ، اختياراتها ، و توجهاتها المجالية :
تعريف سياسة إعداد التراب الوطني :
يقصد بسياسة إعداد التراب الوطني تدخل الدولة لتنظيم
المجال الجغرافي من خلال الإعداد الفلاحي و تطوير الصناعة و التهيئة
الحضرية في المدن .
أهداف سياسة إعداد التراب الوطني :
تستهدف سياسة إعداد التراب الوطني التحكم في توزيع السكان
و الأنشطة الاقتصادية و تحقيق تنمية جهوية متوازنة اقتصاديا و بشريا و
اجتماعيا ، و تفعيل أشكال التضامن بين المناطق .
الاختيارات الكبرى لسياسة إعداد التراب الوطني :
- الرفع من فعالية الاقتصاد الوطني من خلال تحسين ظروف
الاستثمار و البحث عن وسائل جديدة للتنمية الاقتصادية ، و الاهتمام بالعالم
القروي .
- ربط السياسة الحضرية بالإطار الشمولي لإعداد التراب
الوطني عن طريق دعم القطاع العصري، و إعادة هيكلة القطاع التقليدي ، و
الاهتمام بالتنمية الاجتماعية ، و تفعيل قوانين العمران و التعمير .
- صيانة و تدبير الموارد الطبيعية و المحافظة على التراث الثقافي .
- تأهيل الموارد البشرية و ذلك بمحاربة الأمية، و إصلاح
مناهج التعليم ،و تطوير البحث العلمي و التكنولوجي ، و تكوين الفلاحين و
الحرفيين، و منع تشغيل الأطفال .
التوجهات المجالية الكبرى لسياسة إعداد التراب الوطني :
* يمكن تحديد رهانات التوجهات المجالية الكبرى لسياسة إعداد التراب الوطني على الشكل الآتي :
- المناطق الجبلية : المحافظة على الموارد الطبيعية ، و التضامن المجالي .
- المناطق المسقية : الأمن الغذائي ، و تحديات الانفتاح .
- مناطق البور : النجاعة الاقتصادية ، و التوازنات المالية .
- المناطق الصحراوية و شبه الصحراوية : الاندماج الجهوي ، و تدبير المجالات الهشة .
- المناطق الساحلية الأطلنتية : الانفتاح و تدبير الموارد .
- الأقاليم الشمالية : تدعيم البعد الأورو متوسطي .
- الشبكة الحضرية : تحديث التدبير ، و تأهيل المجال و الاستثمار و الموارد والأقطاب الجهوية و المدن المتوسطة و الصغيرة .
دور سياسة إعداد التراب الوطني في تهيئة المجال الجغرافي و تحقيق التنمية و تجاوز التحديات :
تساهم سياسة إعداد التراب الوطني في تهيئة المجال الجغرافي :
* قانون التعمير أو مدونة التعمير هو مجموعة من النصوص التشريعية التي تنظم البناء و التوسع العمراني .
* يشمل قانون التعمير الوثائق الآتية :
- التصميم المديري للتهيئة و التمدين : وثيقة تحدد التوجهات العامة للتوسع العمراني على المدى البعيد( أكثر من 25 سنة ) .
- تصميم التنطيق : وثيقة تبرز تخصصات المناطق و الأحياء داخل المدينة ( سكنية ، صناعية ، تجارية ، إدارية إلخ ..) .
- مخطط التهيئة : وثيقة توضح بدقة استعمالات الأراضي في
المدينة و المراكز القروية المجاورة ( الشوارع ، الأزقة،الساحات، عدد طوابق
البنايات ) .
- تصميم التنظيم الوظيفي و الإعداد : وثيقة تبرز الوظائف الأساسية للمدن الكبرى( إدارية ، سياحية ، صناعية ، تجارية إلخ.. ) .
تساعد سياسة إعداد التراب الوطني على تحقيق التنمية من خلال المبادئ التالية :
- التنمية الاقتصادية و الاجتماعية المتوازنة من خلال إعطاء الأولية للمناطق الأقل تطورا و للطبقة الفقيرة .
- تدعيم الوحدة الوطنية عن طريق تحقيق التضامن بين المناطق و تعزيز التكافل الاجتماعي .
- نهج سياسة اللامركزية و ذلك بإشراك المنتخبين في تحديد و إنجاز المشاريع .
- المحافظة على البيئة و ترشيد استغلال الموارد الطبيعية في إطار التنمية المستدامة .
تواجه سياسة إعداد التراب الوطني عدة تحديات من أبرزها :
- تحديات ديمغرافية و اجتماعية : التطور السكاني ، ارتفاع نسبة الساكنة النشيطة و البطالة و الفقر .
- تحديات اقتصادية : ضعف وتيرة النمو الاقتصادي و الإنتاجية ، المنافسة الأجنبية في إطار العولمة .
- تحديات بيئية : التقلبات المناخية ، التلوث ، تزايد الضغط على الموارد الطبيعية .
خاتمة : إذا كانت سياسة إعداد التراب الوطني لم تحقق كل أهدافها، فإنها تظل ركيزة أساسية بالنسبة للتهيئة الحضرية و الريفية بالمغرب .
الحكامة و إعداد التراب
|