انماط الزراعة


النشاط الزراعي والبيئة الريفية

    تجاوزت معالجة الجغرافي الزراعي للأراضي الزراعية كوحدة مكانية للبحث والدراسة وامتدت إلى باقي مكونات البيئة الريفية وهي الاستخدامات غير الزراعية كمراكز العمران القروية والاستخدامات الأخرى ،تأكيدا لإحدى الاتجاهات المنهجية المعاصرة التي تلزم دراسة الزراعة كجزء في البيئة الريفية المتكاملة، لأن كلا من الظاهرتين تتداخل في شكل يصعب الفصل بينهما.
فمثلا تختلط تربية الحيوانات برحلة الفلاح اليومية من السكن في القرية الى الحقول الواقعة خارج القرية كما لم يصبح المسكن الريفي يؤدي وظيفة اجتماعية خالصة بل أصبح يقوم بوظائف اقتصادية تمثل امتدادا طبيعيا للزراعة ، فأصبح المسكن الريفي يشتمل على حظائر الحيوانات واصبح مخزنا للحبوب والوقود وأدوات الزراعة والخامات الزراعية الأخرى قبل تسويقها ، كما أصبح مصنعا لإنتاج منتجات الألبان وتخزينها،وبهذا نجد المسكن الريفي يؤدي وظيفة مركبة، اجتماعية واقتصادية .
ورحلة الفلاح اليومية من القرية الى مزرعته ظاهرة تفرض نفسها في الجغرافية الزراعية وجغرافية الريف، وقد أخذت هذه الرحلة أشكالا وأبعادا متعددة لها مغزاها،وهي تختلف عن رحلة ساكني المدينة من المسكن الى العمل والعكس لأن الفلاح ليس وحده في رحلة الذهاب والإياب أحيانا ، بل وترافقه حيواناته كما أن عمل الفلاح غير ثابت في مكان معين، بل يتنقل بين عدة أماكن لعوامل مختلفة مثل الحيازة الزراعية ،ومدى تفتتها ونوع المحصول في كل قطعة زراعية، كما تحدد الدورة الزراعية ومتطلبات العمل الزراعي اليومي في كل قطعة .
فمثلا يخرج الفلاح بحيواناته من مسكنه وحظائره في قريته إلى أحد الحقول المزروعة بالبرسيم أو الذرة الخضراء أو علف الحيوان ، وبعد تأمين قوت حيواناته يتوجه إلى القطعة الأخرى التي تتطلب ريا أو حرثا أو حصدا وقبيل نهاية النهار يتوجه إلى حيث توجد حيواناته في القطعة الأولى فيأخذها مع قوت ليلها ويعود الى القرية.
وتعد مشكلة تلوث التربة والغذاء من أهم المشاكل التي تفرض نفسها كموضوع بحث في جغرافية الزراعة، وقد تفاقمت هذه المشكلة بالإفراط في استخدام المبيدات الحشرية الزراعية من ناحية والإفراط في استخدام الأسمدة الكيماوية طلبا للنماء والنضج السريع ، وقد ترتب على ذلك تلوث التربة وتغير نوعية المحاصيل الغذائية الزراعية كالخضروات والفاكهة والألبان التي تستخدم في الغذاء اليومي .
    هذه الظاهرات والمشاكل البيئة الريفية تحتاج الى دراسات وبحوث اعمق من قبل الجغرافين ، كما تحوز الدراسات التطبيقية في الجغرافيا الزراعية اهتمام الجغرافين ايضا مثل صناعة خرائط استغلال الاراضي ودراسة المركب المحصولي الامثل وغيره من موضوعات البحث في جغرافية الزراعة.

 انماط الزراعة
 
   تختلف انماط الزراعة من مكان الى اخر تبعالمدىاستغلال الانسان للبيئة والارض ومدى تكيفه معها وتنقسم الزراعة الىعدد من الانواع تختلف فيها مساحة الرقعة الزراعية وكثافة العمالة ونوع المحصول ومدى استقراره، واخيرا النظام الاجتماعي فيها .
 الزراعة البدائية
    ويمارس هذا النمط من الزراعة في المناطق المدارية المطيرة في افريقيا وامريكا الجنوبية وجنوب شبه جزيرة مالايو وغينيا الجديدة في اسيا ،ومن أبرز خصائص هذا النمط المتنقل عدم الاستقرار في منطقة معينة وهذا يرجع الى عاملين رئيسيين:
 أولهما التربة الفقيرة في المناطق المدارية المطيرة فالامطار الغزيرة تؤدي الىذوبان الماد المعدنيالقابلة للذوبان وكذلك المواد العضوية وتسربها الى أعماق كبيرة فتصبح التربة فقيرة الى المعادن عدا أكاسيد الحديد غير القابلة للذوبان  والتي تبقى على السطح فتكسبها للون الحمر وبالتالي  فإن زراعة الأرض تجهدها فيصضطر زراع المناطق المدارية للنتنقل من قطعة إلى أخرى  يقطعون غطاءها النباتي  فيحرقونه ويضيفون إلى التربة مواد عضوية  تساعدها على استمرار ممارسة الزراعة لفترة من الزن ويسمى هذا النمط بزراعة الحريق في بعض مناطق السافانا ويساعد علىالتنقل ايضا أن ملكية الارض مشاع لكل افراد المجتمع.                                                  
   وثاني هذه العوامل قوة الانبات في المناطق المدارية المطيرة فلم يلبث ان يطهر الفلاح الارض ويزرعها مرة اخرى فتظهر نباتات طبيعية بكثافة اكبر فيضطر الى هجرتها الى قطعة اخرى،وهذا فضلا عن التلف الذي تحدثه الفيلة للزراعة .
    إن أهم خصائص الزراعة المتنقلة أنها زراعة كفاف اى أي أن ما يزرع يكفى فقط حاجات السكان لذلك تسمى بالزراعة المعاشية البدائية فإنتاج الأرض الزراعى لا يتجاوز انتاج المواد الغذائية القليلة ولا يوجد فائض للتبادل التجارى واهم المحاصيل الزراعية الغذائية الذرة الرفيعة والدخن والنباتات الجذرية والفواكه وخاصة الموز، وكل الادوات الزراعية بدائية وأهمها  الفاس، والأمراض الزراعية كثيرة الانتشار،ولا تمارس دورة زراعية، ولا تسميد، وسكان هذه المناطق بدائيون ويعيشون في مراكز عمرانية صغيرة وسط الاراضى الزراعية و تتألف من عدة أكواخ تنظم شكلا دائريا مغلقا

 الزراعة الكثيفة

     يوجد هذا النمط فى الاراضى الغنية فى حوض نهر اليانجيتسى ونهر السيكيانج وسهول نهر السند والجانج والبراهما بوترا فى باكستان والهند على التوالى كما تمارس في الهند الصينية وتظهر فى اليابان ووادى النيل الادنى ودلتاه فى مصر ويمكن إن نميز نوعين داخل هذا النمط من الزراعة الكثيفة فى إقليم الارز شرق اسيا والصين والزراعة الكثيفة فى الدول المتقدمة كاليابان أما خصائص الزراعة الكثيفة فيمكن إيجازها فى الاتى:
* إنها تتميز بكثرة الأيدى العاملة التى تستخدمها كما تتميز بكثافة استخدام الوسائل والادوات العلمية الحديثة  للحصولعلى أكبر عائد إنتاجي.
 *  تفتت وقزمية الملكيات الزراعية فى الزراعة الكثيفة فى الدول المزدحمة سكانيا.
* تسجل غلة الهكتارأعلى عائد لها فى الزراعة الكثيفة فى المناطق المزدحمة النامية والمتقدمة على السواء
* وتعتبر الزراعة القطاع الذي  يعمل فيه أكثر من ثلاثة أرباع سكان هذه المناطق.
* أدوات الزراعة الكثيفة التقليدية كالمحراث والفاس والنورج والشادوف والساقية كما تستخدم الحيوانات فى العمل الزراعى، وتستخدم المخصبات الكمياوية لضمان استمرارها وتستخدم فى الزراعة الكثيفة فى الدول المتقدمة كاليابان الماكنة الزراعية والمخصبات الكمائية والدورات الزراعية وغيرها        
* تتعدد زراعة اكثر من محصول فى الارض على مدار السنة مما يؤدي الى إجهاد التربة ورغم زراعة أكثر من محصول وارتفاع انتاجية الهكتار، وتربية الحيوان في المساحات المخصصة للزراعة إلى جانب الزراعات
  المختلطة الكثيفة ان مستوى المعيشة منخفض فى الدول المزدحمة سكانيا، بينما تخفف الصناعة العبء
فالاقتصادى على الزراعة فى  اليابان والدول المتقدمة كاوروبا وأمريكا الشمالية. وتتميز مجتمعات الزراعة
 الكثيفة بكثافاتها السكانية المرتفعة ومراكزها العمرانية الحضرية والريفية الكبري والمتقاربة
            
 الزراعة الواسعة

    يمكن تمييز نوعين من الزراعة الواسعة وهي: الزراعة الواسعة البدائية والزراعة الواسعة الحديثة وتمارس الجماعات الرعوية على هوامش الصحراء الواسعة البدائية فتزرع الحبوب فى مناطق واسعة وترحل بحيواناتها وراء الكلا والعشب والمياه في مناطق الجذب، في حين تتاح الفرصة لنمو الحشائش في مناطق الطرد لاستغلالها في تربية مواشيهم عند نضجها وحصادها بعد عودة هذه الجماعات الرعوية الى مراكز استقرارها، ومن أمثلة هذا النوع أرض العشائر البدوية بالعراق ورعاة الاستبس وقبائل البقارة بجنوب السودان،أو البدو الرحل في الجزائر، وتتميز الزراعة الواسعة البدائية بأنها مطرية كما تتميز ملكية الاراضى بانها مشاعة قبليا أما الإنتاج فيتماشى وكمية المطر وطول فصل تساقطه،  والحبوب ولا سيما  الشعير والذرة الرفيعة هى اهم محاصيل الزراعة الواسعة البدائية .
اما الزراعة الواسعة الحديثة فتختلف جذريا عن الواسعة البدائية فتعتمد على المطر و الرى معا، وتتميز بالملكيات الخاصة الكبيرة،  وتسمح باستخدام الميكنة الزراعية على نطاق واسع وتستخدم المخصبات الكيماوية والمبيدات الحشرية والبذور المنتقاة.
وتنتشر الزراعة الواسعة الحديثة فى السهول الوسطى للولايات المتحدة الامريكية وكندا فى امريكا الشمالية وسهول مارى ودارلينغ فى جنوب استراليا وفى الاراضى الزراعية فى شرق البرازيل ومنطقة السهول الخصبة الارجنتينية في امريكا الجنوبية كما تمارس فى اوكرانيا وبلغاريا ويوغسلافيا والمانيا الشرقية وبولندا واقليم بروسيا الشرقية فى اوربا وفى  جنوب افريقيا .
واستنفذت الزراعة الواسعة كل إمكانات التوسع الأفقى فامتدت الى السفوح الجبلية وتم عمل مدرجات يسهل زراعتها، وتستخدم الاساليب العلمية لرفع انتاجية الهكتارمن الغلات الزراعية لذلك يفيض الإنتاج في هذه المناطق ويسمح بكميات ضخمة للتصدير، واهم المحاصيل الزراعية هي: القمح الشعير والقطن.
إضافة لما سبق فإن كثيرا من مناطق الزراعة الواسعة تتميزبانخفاض كثافتها السكانية وتباعد مراكزها العمرانية وصغر حجمهاكما ترتبط بالموانئ الرئيسية بواسطة شبكة من الطرق البرية والسكك الحديدية الجيدة في كثير من أجزائها .
 
 الزراعة العلمية التجارية

   يقوم هذا النمط من المزارع العلمية فى المناطق المدارية المطيرة التي استعمرها الاوروبيون لانتاج الغلات المدارية مثل قصب السكر والشاي والموز والاناناس والمطاط والكاكاو ونخيل جوز الهند والجوت .
وساعد على انتشار هذا النمط من الزراعة رخص الاراضى الزراعية فى المناطق المدارية ورخص الايدى العاملة فيها هذا فضلا عن الحماية التي يوفرها المستعمر وتنتشر هذه المزارع العلمية التجارية فى حوض الكونغو وشرق افريقيا وفى المالايو واندنوسيا والفبين وسواحل امريكا الوسطى، وتقوم الزراعة فى هذه المزارع تحت اشراف الخبراء الأجانب وتعتمد علي تمويل رؤوس الاموال الاوربية والأمريكية، وتطبق فيها أحدث الطرق العلمية فى الزراعة وتقوم الشركات الاجنبية المشرفة على ادارة المستعمرات القديمة باعدادا السلع المدارية للتصدير.
 
 الزراعة المختلطة

    ويجمع هذا النمط بين الزراعة وتربية الحيوان وهي أكثر انتشارا فى شرق الولايات المحدة وغرب اوربا ووسطها ومعظم اقطار الشرق الاوسط ويطبق فى هذه الزراعة دورات زراعية ثابتة تجمع بين اعلاف الماشية والحبوب والمحاصيل الجذرية والخضر، وتعتبرالذرة أساس الدورة  فى المزارع الأمريكية المختلطة ويشكل القمح والبطاطس وتربية الحيوانات اهم جوانب الزراعة المختلطة فى شمال غرب اوربا ويربي مزارعو الشرق الاوسط الأبقار والجاموس والماعز والضأن فضلا عن حيوانات الحمل والجر والحرث والزينة، وهذا يتطلب زراعة البرسيم والشعير والقمح لانها تمثل اعلاف هامة لتريبة الحيوانات .
   الزراعة في المناطق الجافة :
    إضافة إلى ما سبق فهناك نمط آخر من الزراعة التي تمارس فى المناطق الجافة و شبه الجافة كما في الصحاري، ومعظم هذه الزراعات تعتمد على المياه الجوفية من الينابيع والابار ومياه السيول وكلها مصادر لها مشاكلها مثل تناقص كمياتها بالاستهلاك وارتفاع نسبة الملوحة وارتفاع نسبة الفاقد من هذه المياه وينعكس ذلك على نظام الري، فشبكة قنوات التوزيع قد تكون حجرية او اسمنتية أو قد تكون  مغطاة فى بعض اجزا ئها.
ويغلب على زراعة هذا النمط تناثر الاراضى الزراعة فى الواحات والاودية شبه الجافة كما تتميز بالزراعة البينية بين أشجار النخيل، والتمور هى المحصول الأول، والشعير هو أهم محاصيل الحبوب الغذائية وتزرع أيضا الخضر والفاكهة كما تربى الحيوانات كالجمال والماعز والضأن .
ومجتمعات مناطق الزراعة الجافة تقيم في تجمعات عمرانية صغيرة وبعض منازلها له الصفة المؤقتة مثل خيام الشعر والمنازل الخشبية ولمناطق مصادر المياه الجوفية أثر واضح في استيطان هذه التجمعات.
تعليقات